للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مما يصنعه كفار قريش بأصحابه: «اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً»، فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (آل عمران: ١٢٨) (١).

كيف يصح فرض أن القرآن من إنشاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه قوله تعالى: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً} (الإسراء: ٨٦ - ٨٧).

وإن مما يدفع هذا الفرض ويدحضه تأخره عليه الصلاة والسلام في جواب أسئلة ملحة استلبث الوحي في جوابها، مع مسيس حاجته - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الجواب.

ومن ذلك أن قريشاً بعثت النضر بن الحارث , وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة , وطلبوا منهم العون في اختبار النبي - صلى الله عليه وسلم - للوقوف على صدق نبوته، فأرشدهم اليهود إلى سؤاله عن أمور ثلاثة: عن فتية كانوا في الدهر الأول، وعن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وعن الروح ما هو؟

وقالوا: فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه , وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأتت قريش النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وسألته, فقال لهم: «أخبركم غدا عما سألتم عنه»، ولم يستثن [أي لم يقل: إن شاء الله].

فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة , لا يُحْدِثُ الله له في ذلك وحياً, ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة , وقالوا: وعدنا محمد غداً, واليوم خمس عشرة ليلة لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه.

وأحزن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مُكْثُ الوحي عنه, وشق عليه ما تكلم به أهل مكة.

ثم جاءه جبرائيل- عليه السلام - من عند الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف , وفيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وفيها أيضاً خبر ما سألوه عنه من


(١) أخرجه البخاري ح (٤٠٧٠).

<<  <   >  >>