للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك كان نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فلم يتسلط شيطان عليه، ولم تقع منه القبائح قبل السحر ولا بعده، وغاية الأمر في حادثة سحره - صلى الله عليه وسلم - أن الشيطان آذاه في جسده، كما تؤذيه - وإخوانه الأنبياء- شياطينُ الإنس، بل والجراثيم، فيصاب بالأمراض والأذى وغيرهما من العوارض التي لا يسلم منها بشر، لكن ذلك لا يخلُّ - بحال من الأحوال - بأهليته للرسالة وعصمته عن الخطأ في البلاغ عن الله، فما ينقله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: ٣ - ٤).

ولهذا كان عبد الله بن عمرو يكتب كل شيء يسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحفظه، فنهته قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ يقول عبد الله: فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق" (١)، فهو - صلى الله عليه وسلم - معصوم في كل أحواله من الزلل والغلط.

والسحر على أنواع بعضها دون بعض، ومن أنواعه سحر التخييل، حيث يتخيل المسحور أنه فعل شيئاً من غير أن يكون قد فعله حقيقة، كما وقع لموسى عليه السلام حين ألقى سحرة فرعون حبالهم وعصيهم {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (طه: ٦٦).

وهذا النوع من السحر هو ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سُحر، وقد انحصر أثره في علاقة النبي - صلى الله عليه وسلم - الجسدية مع أزواجه، فكان يخيل إليه أنه يجامع نساءه من غير أن يكون ذلك حقيقة، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله، ولا يأتي) (٢)، قال القاضي عياض: "فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه؛ لا على تمييزه ومعتقده" (٣).


(١) أخرجه أبو داود ح (٣٦٤٦).
(٢) أخرجه البخاري ح (٣٢٦٨).
(٣) فتح الباري، ابن حجر (١٠/ ٢٢٧)، وانظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض (٢/ ١٧٦).

<<  <   >  >>