المسألة الأولى: عود الضمائر في قوله: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ} إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قالوا: أتى القرآن بتركيب يؤدي إلى اضطراب المعنى، وذلك في قوله:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}(الفتح: ٨ - ٩)، فقالوا: الأصل في الضمير عوده على آخر مذكور، بينما نجد أن الضمير في قوله:{تعزّروه وتوقروه} عائد على الرسول المذكور آخراً.
وأما قوله:{تُسَبِّحُوهُ} عائد على اسم الجلالة المذكور أولاً.
وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بطريقين صحيحين:
الأول: اعتبر ابن الجوزي جمع شيئين مختلفين في سياق واحد من صور بلاغة العرب، فيرد كل واحد منهما إلى ما يليق به، وضرب له أمثلة، منها هذه الآية، وأمثلة أخرى، منها قوله تعالى:{حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}(البقرة: ٢١٤). فالمعنى يقول المؤمنون:{مَتَى نَصْرُ اللهِ}، فيقول الرسول:{أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}.
ومن أمثلته أيضاً قوله تعالى:{وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ}(القصص: ٧٣)، فالسكن بالليل، وابتغاء الفضل بالنهار، لكنه جاء بالسكن بعد ذكر النهار، لأن السامع يعلم اختصاص الليل بالسكن، والنهار بالبحث عن الرزق وابتغاء فضل الله فيه.
وبمثله يمكن فهم آية سورة البقرة، فالمعنى: لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعزروا رسوله وتوقروه، فهذان من حق الرسول، ثم شرعت الآية في الحديث عن حق الله فيقول: وتسبحوه، وأهمل التفصيل لأنه مستغنى عن ذكره لكونه معلوماً عند أهل العلم والبيان، ومن المعيب في البيان ذكر ما يستغنى عنه.