للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى فرض صحة الرواية فماذا عساه يتعلم غلام يبلغ من العمر التاسعة أو الثانية عشرة (١) في لقاء واحد من هذا الراهب النسطوري! لقد صدق توماس كارلايل: "لا أعرف ماذا أقول بشأن الراهب النسطوري (سرجيوس) الذي قيل إنه تحادث مع أبي طالب، كم من الممكن أن يكون أي راهب قد علم صبياً في مثل تلك السن، لكنني أعرف أن حديث الراهب النسطوري مبالغ فيه بشكل كبير، فقد كان عمر محمد - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر عاماً، ولم يعرف لغةً غير لغته " (٢).

وفرض صحة رواية لقيا الراهب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوصلنا إلى نتيجة أعرض عنها الطاعنون في القرآن، فقد قال الراهب الذي زعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلم منه: (هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرَّ ساجداً، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة) (٣).

هذا ولم تنقل الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس إلى بحيرا يتعلم منه أخبار السابقين أو غيرهم، بل ذكرت أن بحيرا كان يسأل النبي عن أشياء من حاله ونومه وهيئته وأموره (٤)، يستثبت فيها من كونه نبي آخر الزمان بما يعرفه من بشارات أهل الكتاب عنه، وقد قال أبو طالب:

ما رجعوا حتى رأوا من محمد ... أحاديث تجلو غم كل فؤاد

وحتى رأوا أحبار كل مدينة ... سجوداً له من عصبة وفراد


(١) فقد اختلفت الروايات في ذلك على الرأيين.
(٢) الأبطال، توماس كارلايل، ص (٦١).
(٣) أخرجه الترمذي ح (٣٦٢٠)، وقال: "حسن غريب".
(٤) انظر: تهذيب سيرة ابن هشام (١/ ١٨٠).

<<  <   >  >>