وبداية ننبه إلى أن هذا الاستدلال المغلوط قديم، قاله نصارى نجران بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سألوه: " ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ فقال:«بلى». قالوا: فحسبنا. فأنزل الله عز وجل:{فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ}(آل عمران: ٧)(١)، فهذا القول من الفتنة لما فيه من التلبيس اعتماداً على المتشابه من القول، أي ما يحتمل معاني مختلفة.
ولو قرؤوا الآية بتمامها لوجدوا فيها بيان ما تشابه عليهم، فهي تنعى عليهم غلوهم في شخص المسيح، وقولهم بأنه ابن الله، وأنه مشترك مع الله في الثالوث {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى الله إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا الله إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلاً لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لله وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً}(النساء: ١٧١ - ١٧٢)، فالمسيح عبد الله ورسوله، وهو أيضاً كلمته وروح منه.
فماذا يعني قولنا: المسيح كلمة الله؟ هل يعني أنه عليه السلام صفةُ الكلام الأزلية لله؟ بالطبع: لا، فالمسيح كلمة الله المخلوقة، لا الكلمة التي يخلق الله بها خلقه [كن]، وهذا صريح القرآن {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (آل