للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البتة، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان، كما تقول: لقد قارفت لولا أن عصمك الله .. ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة، وبراءة يوسف عليه السلام من كل ما يشين" (١).

ثم لو فرضنا وقوع الهمِّ بالفاحشة من الصديق يوسف؛ فإن الهمَّ في لغة العرب حديث النفس بمواقعة أمر، فإن كان الهمُّ في أمر حسن فهو حسن، وإن كان في أمر سوء لم يكن سوءاً إلا بترقي الهمِّ إلى العزم أو الفعل (٢)، وإلا كان تركه لله سبباً في اكتساب الحسنات والمنزلة عند الله، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: «يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه؛ حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف» (٣)، فلو وقع همٌّ بالسوء من يوسف فهو له حسنة، لأنه لم يترقَ إلى فعل، فقد تركه لله وخوفاً منه «وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة».


(١) البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي (٥/ ٢٩٤ - ٢٩٥)، وانظر: دراسات لأسلوب القرآن الكريم، محمد عبد الخالق عضيمة (٢/ ٦٨٥).
(٢) الفعل على ست مراتب (الخاطر ثم الهاجس ثم حديث النفس ثم الهم ثم العزم ثم الفعل)، فأما الخاطر والهاجس وحديث النفس فلا يكتبون على العبد؛ لا في الخير، ولا في الشر، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به» أخرجه مسلم ح (١٢٧)، وأما الهمُّ فلا يكتب في الشر بمجرد الهمِّ، ويكتب خيراً إن همَّ العبد بأمر الخير أو ترك همَّ السوء، وأما العزم فيكتب بالخير والشر؛ ولو لم يقع الفعل لعزم القلب عليه، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار»؛ فقلت [أي أبو بكرة - رضي الله عنه - راوي الحديث]: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: «إنه كان حريصاً على قتل صاحبه» أخرجه البخاري ح (٣٧).
(٣) أخرجه البخاري ح (٧٥٠١)، ومسلم ح (١٢٩)، واللفظ للبخاري.

<<  <   >  >>