والجواب: قد سبق لنا بيان الموقف القرآني من النصارى القائلين بألوهية المسيح والتثليث.
وأما بخصوص هذه الآية فهي تمتدح أتباع المسيح عليه السلام، وهم المسلمون الذين يصدقون أقواله:{وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(المائدة: ١١٦ - ١١٧)، والمسلمون هم الذين يقولون: ادعاء الألوهية للمسيح ليس بحق، في حين يزعم النصارى أنه إله معبود بحق.
ووفق هذا فإن المسلمين هم أتباع المسيح، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعَلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد»(١).
إن الدلالة على اتباع المسلمين للمسيح ومفارقة النصارى له ليست من القرآن فحسب، بل هي في كتابهم أيضاً؛ فإن قارئ العهد الجديد (الإنجيل) لن يجد فيه حرفاً واحداً يتحدث فيه المسيح عن ألوهية نفسه، بل على العكس من ذلك تجده يصرح بما ينقضها، فيقول عن نفسه:"وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله"(يوحنا ٨/ ٤٠)، كما يجده عليه السلام يخبر عن كونه رسولاً لله فحسب، مما يقتضي التنديد بأهل التثليث؛ والحكم بحرمانهم من الحياة الأبدية، فيقول مخاطباً الله:"هذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته"(يوحنا ١٧/ ٢ - ٣)، وهذا معنى صريح في أن الجنة مدخرة فقط لمن يقول:
(١) أخرجه البخاري ح (٣٤٤٣)، والإخوة لعَلات هم الإخوة من أب واحد، وأمهاتهم مختلفات.