للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قوله تعالى لليهود حين أنكروا أن الأطعمة كانت حلالاً عليهم قبل نزول التوراة: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (آل عمران: ٩٣) فهو لا يفيد سلامة التوراة التي بين أيديهم من التحريف.

فمطالبته بالإتيان بها؛ إنما يريد به إقامة مزيد من الحجة عليهم من كتابهم (التوراة المحرفة)، قال ابن حزم: " إنما هو في كذب كذبوه، ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم؛ زائد على الكذب الذي وضعه أسلافهم في توراتهم، فبكتهم عليه السلام في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين، فظهر كذبهم" (١).

وقد دعا الله عز وجل أهل الكتاب إلى إقامة هذا الحق المتبقي، لأنه كفيل بهدايتهم إلى الإسلام، قال ابن كثير: " أي: إذا أقمتموها حق الإقامة، وآمنتم بها حق الإيمان، وصدقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - ونعته وصفته والأمر باتباعه ونصره ومؤازرته، قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} (الأعراف: ١٥٧) " (٢).

وقال القرطبي: " وإقامة التوراة والإنجيل؛ العمل بمقتضاهما وعدم تحريفهما" (٣).

وقال ابن حزم: "وأما قول الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ}؛ فحق لا مرية فيه، وهكذا نقول، ولا سبيل لهم إلى إقامتها أبداً، لرفع ما أسقطوا منها، فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل، كلهم


(١) الفصل في الملل والنحل، ابن حزم (١/ ١٥٨).
(٢) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (١/ ٢٢٥).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (٦/ ٢٤١).

<<  <   >  >>