للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالوا: ترون أنَّا نعيشُ حتى نبيتَ مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل؟ فنزل قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} (النور: ٥٥) (١) وكان كذلك، فقد أمَّنهم الله من بعد خوفهم، وسوَّدهم الأرض، واستخلفهم فيها من بعد ذلتهم، ومكَّن لهم دينهم في مشارق الأرض ومغاربها.

ومن غيوب القرآن، تنبؤه بنصر بدر العظيم، وذلك في وقت كان المسلمون يعانون في مكة صنوف الاضطهاد ويُسامون سوء النكال؛ وفي وسط هذا البلاء نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} (القمر: ٤٣ - ٤٦).

فقال عمر بن الخطاب [أي في نفسه]: أي جمع يهزم؟ أي جمع يُغلَب؟ فلما كان يوم بدر رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثِب في الدرع، وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فعرفت تأويلها يومئذ (٢)، فالآية نزلت قبل الهجرة بسنوات؛ تتحدث عن غزوة بدر واندحار المشركين فيها، وتتنبأ بهزيمتهم وفلول جمعهم.

وقبيل معركة بدر أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتراب تحقق الوعد القديم الذي وعده الله بمكة، فقام إلى العريش يدعو ربه ويناجيه: «اللهم إني أنشدُك عهدَك ووعدَك، اللهم إن شئت [هلاك المؤمنين] لم تُعبَد بعدَ اليوم».

ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عريشه، وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ


(١) أخرجه البيهقي في الدلائل (٣/ ٦ - ٧)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٤٣٤).
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤/ ٢٦٦)، والخبر يرويه ابن أبي حاتم في تفسيره (١٠/ ٣٣٢١).

<<  <   >  >>