ففي حين يعظم القرآن الأنبياء ويعتبرهم أعظم البشر وأفضلهم {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الأنعام: ٨٤ - ٨٧)، نجد في مقابله في الكتاب المقدس حديثاً عن الأنبياء على خلاف ذلك، فما من رذيلة ولا بلية إلا ونسبها الكتاب إلى أنبياء الله تبارك وتعالى.
فهارون عليه السلام النبي العظيم منزه عن الشرك وعن بناء العجل الذي بناه السامري وعبده بنو إسرائيل من دون الله (انظر طه: ٨٥ - ٨٧)، لكن التوراة تجعله بانياً للعجل الذهبي المعبود من دون الله (انظر الخروج ٣٢/ ٢ - ٤).
وإذا كان داود في القرآن نبياً عظيماً {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(ص: ١٧)، فإنه في الكتاب المقدس كان زانياً (انظر صموئيل (٢) ١١/ ١ - ٢٦)، وقاتلاً، فقد قتل مائتين من الفلسطينيين، وقطع غلفهم، ليقدمها مهراً لزوجته ميكال (صموئيل (١) ١٨/ ٢٧).
وأما سليمان فيصفه القرآن بالنبي الأواب:{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(ص: ٣٠)، في حين تزعم التوراة بأنه ترك وصايا الله، وبنى معابد للأصنام إرضاء لزوجاته الوثنيات (الملوك (١) ١١/ ٣ - ١١)، فهذه المفارقات العظيمة في الصورة الإجمالية، وأكثر منها في تفاصيل الأخبار، وهي جميعاً تثبت التمايز بين الكتابين بما يحيل أن يكون القرآن منحولاً من الكتاب المقدس.