للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحيفة أو مصحف أن يحرق) (١) ففعل الصحابة وامتثلوا ذلك، واتفقوا على صحة صنيع عثمان، يقول علي - رضي الله عنه -: (يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعاً، والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل) (٢)، ويقول مصعب بن سعد - رضي الله عنه -: (أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعب ذلك أحد) (٣).

وأما ما نقل عن اعتراض ابن مسعود - رضي الله عنه - وقوله: (يا معشر المسلمين، أُعزل عن نسخ كتابة المصحف ويتولاها رجل [يقصد زيد بن ثابت]، والله لقد أسلمتُ وإنه لفي صُلب رجل كافر) (٤)، فهو اعتراض شخصي الصبغة، لا يتضمن اعتراضاً منه على وثوقية الجمع أو منهجيته، ولا على أمانة زيد بن ثابت أو قدرته، لكنه يعتب على الصحابة رضوان الله عليهم أنهم أسندوها إلى شاب صغير، ولم يسندوها إليه - رضي الله عنه -، وهو الذي تعلم القرآن قبل ولادة زيد - رضي الله عنه -، وقد لقي اعتراضه كراهية في صدور كبار الصحابة الذين رأوا في اختيار زيد الاختيار الأمثل والأفضل، يقول الزهري في تمام الرواية معلقاً على اعتراض ابن مسعود: فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة ابن مسعود رجالٌ من أفاضل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وهكذا اجتمعت الأمة على القراءة بالمصحف الذي كتبه عثمان - رضي الله عنه - واتفق الصحابة عليه، وما زال المسلمون في كل عصر يطبعون القرآن وفق رسمه.


(١) أخرجه البخاري ح (٤٩٨٨).
(٢) أخرجه أبو بكر ابن أبي داود في كتابه المصاحف ح (٧٧)، وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة (٣/ ٩٩٦).
(٣) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد ح (١٦١)، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن ح (٤٦٠).
(٤) أخرجه الترمذي ح (٣١٠٤).

<<  <   >  >>