رسميًا لقسط كبير من سُنَّة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك العصر، ويكون ما فعله عمر بن عبد العزيز بعد هذا - من العناية بالحديث ومطالبة العلماء في الأقطار المختلفة بكتابته والجلوس لمدارسته - ليس إلاَّ امتداداً لما شرع فيه أبوه من قبل. وهو رأي يُرَجِّحُهُ ما عرف عن السلف من الحرص على حفظ السُنَّة والعمل بها.
وقد اقتضاه البحث أن يتكلم عن الوضع وأسبابه، وجهود الصحابة والتابعين ومن بعدهم في مقاومته وتطهير السُنّة من أوضاره، وأن يتحدَّث عن آراء بعض المستشرقين ومن انخدع بهم من المسلمين، فَفَنَّدَ مزاعمهم، ورَدَّ الحق إلى نصابه في مفترياتهم، وبيَّنَ فضل الصحابة وعدالتهم، وحرصهم على العمل بالسُنَّة وحفظها، وتثبُّتهم في روايتها، واقتداء من جاء بعدهم بهم في ذلك، كما تعرَّض لما أثر حول بعضهم من شبهات فنفاها عنهم.
ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إنَّ الطالب كان أصيلاً في بحثه، لم يُعْوِزْهُ توجيه وإرشاد؛ بل جمع بجده كل ما استطاع الوصول إليه من مراجع، وتناول منها كل ما يلائم بحثه، ثم عرض ذلك على مقاييس صحيحة في نزاهة وصدق وإيمان، وبهذا نَطَمَ نفسه في سلك المُحبِّين للسُنَّة، الذين بشَّرهم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة فيما روى الترمذي عن أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«مَنْ أحبَّ سُنَّتي فقد أحبَّني، ومَنْ أحبَّني كان معي في الجنة».
والله المسؤول أنْ ينفع الإسلام والمسلمين برسالته، وأنْ يجعل من شبابنا شباباً صالحاً لا تخدعه مظاهر المدنية الكاذبة، فيعكف على دراسة الدين القويم، والتراث المجيد، ويدفع عنهما تُهَمَ المبطلين، وضلال المُضِلِّين، وهو الهادي إلى الصراط المستقيم.