للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنسان فيه، وغير هؤلاء كثيرون، فكانت مهمة العلماء شاقة لما يحف بها من الحذر، وما يترتب عليها من الآثار الجليلة في الدين والدنيا، وبفضل الله ورحمته ذللت تلك الصعوبات على أيدي جهابذة الأمة، الذين شهد بعلمهم وفضلهم وحسن منهجهم ودقة قواعدهم علماء المشرق والمغرب، وحفظت السنة من عبث العابثين وتأويل المعرضين، وتحريف الجاهلين المضلين، وَصَدَقَ ابْنُ المُبَارَكِ حِينَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ المَوْضُوعَةُ!!؟ فَقَالَ: «تَعِيشُ لَهَا الجَهَابِذَةُ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}» (١).

ونستعرض ما بذله علماء الأمة في سبيل حفظ الحديث الشريف، فقد بحثوا في كل ما يتعلق بالحديث النبوي رواية ودراية، وخطوا خطوات جليلة كفلت سلامة السنة من العبث، ونحن نلخصها فيما يلي:

أَوَّلاً - الْتِزَامُ الإِسْنَادِ:

لم يكن المسلمون في صدر الإسلام - منذ عهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فتنة عثمان - يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، بل كانت الثقة تملأ صدورهم، والإيمان يغمر قلوبهم، حتى إذا ما وقعت الفتنة، وتكونت الفرق والأحزاب، وبدأ الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُتَّخَذُ مطية لأهل الأهواء، وقف الصحابة والتابعون من هذه الظاهرة وقفة قوية للحفاظ على الحديث الشريف، وأصبحوا يشددون في طلب الإسناد من الرواة، والتزموه في الحديث، لأن السند للخبر كالنسب للمرء، ويخبرنا الإمام محمد بن سيرين عن ذلك فيقول: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا


(١) " تدريب الراوي ": ص ١٨٤ و" الكفاية ": ص ٣٧، و " الجرح والتعديل ": ص ١٨ جـ ١ وروي عن عبد الرحمن بن مهدي نحو هذا في " توضيح الأفكار ": ص ٧٩ جـ ٢ والآية ٩ من سورة الحجر.