للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روايتهم (لأنه كان بالمشافهة)، ومهما كان هذا الرأي صحيحًا فإن المسلمين يقبلون الحديث على أنه كلام صحيح» (١).

...

ثَالِثًا - رَأْيُ الأَسْتَاذِ أَحْمَدْ أَمِينْ:

قال: «وَقَدْ وَضَعَ عُلَمَاءُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ قَوَاعِدَ لَيْسَ هُنَا مَحَلُّ ذِكْرِهَا وَلَكِنَّهُمْ - وَالحَقُّ يُقَالُ - عَنُوا بِنَقْدِ الإِسْنَادِ أَكْثَرَ مِمَّا عَنُوا بِنَقْدِ المَتْنِ، فَقَلَّ أَنْ نَظْفَرَ مِنْهُمْ بِنَقْدٍ مِنْ نَاحِيَةٍ أَنَّ مَا نُسِبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَتَّفِقُ وَالظُّرُوفَ التِي قِيلَتْ فِيهِ، أَوْ أَنَّ الحَوَادِثَ التَّارِيخِيَّةَ الثَّابِتَةَ تُنَاقِضُهُ، أَوْ أَنَّ عِبَارَةَ الحَدِيثِ نَوْعٌ مِنَ التَّعْبِيرِ الفَلْسَفِيِّ يُخَالِفُ المَأْلُوفَ فِي تَعْبِيرِ النَّبِيِّ، أَوْ أَنَّ الحَدِيثَ أَشْبَهُ فِي شُرُوطِهِ وَقُيُودِهِ بِمُتُونِ الفِقْهِ وَهَكَذَا، وَلَمْ نَظْفَرْ مِنْهُمْ فِي هَذَا البَابِ بِعُشْرِ مِعْشَارِ مَا عَنُوا بِهِ مِنْ جَرْحِ الرِّجَالِ وَتَعْدِيلِهِمْ حَتَّى نَرَى البُخَارِيَّ نَفْسَهُ - عَلَى جَلِيلِ قَدْرِهِ وَدَقِيقِ بَحْثِهِ - يُثْبِتُ أَحَادِيثَ دَلَّتْ الحَوَادِثُ الزَّمَنِيَّةُ وَالمُشَاهَدَةُ التَّجْرِيبِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، لاقْتِصَارِهِ عَلَى نَقْدِ الرِّجَالِ، كَحَدِيثِ: «لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ» وَحَدِيثِ «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ» (٢).

إن ما ذكره (غاستون ويت) والأستاذ أحمد أمين - فيه حيف وظلم للجهود التي بذلها علماء السنة لحفظ الحديث الشريف وتخليصه من كل ما يشوبه، فإن علماء الجرح والتعديل تناولوا نقد سند الحديث كما تناولوا نقد متنه، وإن الجهود التي بذلوها في نقد المتن لا تقل عن جهودهم في نقد السند، وقد لمسنا تلك


(١) ( Histoire Générale Des Religions. Islam P.٣٦٥
(٢) " فجر الإسلام ": ص ٢١٧، ٢١٨.