للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ حَاجٌّ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ: " مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ؟ " فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا، فَبَلَغَنِي الذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَلاَ تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا» (١)، إنه لم يجب عمر سوى أبي هريرة، فهل يعقل بعد هذا أن يكذبه عمر، أو يهدده بالنفي وقد عرف حفظه وإتقانه!!؟

وأما ادعاء بشر المريسي تكذيب الفاروق لأبي هريرة - فهو باطل، لا أصل له، وما رواه عن عمر، أنه قال: «أَكْذَبُ المُحَدِّثِينَ أَبُو هُرَيْرَةَ» لم يذكر سنده. وقد تصدى له عثمان بن سعيد الدارمي (٢٠٠ - ٢٨٠ هـ) فَرَدَّ عَلَيْهِ رَدًّا قَوِيًّا (٢).

[ب] أَبُو هُرَيْرَةَ وَعُثْمَانُ بْنِ عَفَّانٍ:

لم يذكر مصدر موثوق أنَّ عثمان كَذَّبَ أبا هريرة كَمَا ادَّعَى النَظَّامُ وَغَيْرُهُ، كما لم يثبت أنه طعن فيه أو منعه من التحديث، وكل ما هنالك رواية ذكرها ابن خلاَّد قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عِيسَى، - يَنْزِلُ جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَظُنُّهُ ابْنَ يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ قَالَ: أَرْسَلَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ:


(١) " مسند الإمام أحمد ": ص ٥٢ حديث ٧٦١٩ جـ ١٤.
(٢) انظر " رد الدارمي على بشر المريسي ": ص ١٣٢ وما بعدها.