للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المَبْحَثُ الرَّابِعُ: كَيْفَ رُوِيَ الحَدِيثُ فِي ذَلِكَ العَصْرِ .. بِاللَّفْظِ أَمْ بِالمَعْنَى؟:

رأينا كيف كان الصحابة والتابعون وأتباعهم يتثبتون في قبول الأخبار، وعرفنا وَرَعَهُمْ وَخِشْيَتَهُمْ عِنْدَمَا يَرْوُونَ حَدِيثًا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان أحدهم لا يروي الحديث إلا بعد الاستيثاق من ضبط حروفه وفهم معناه، وكان الواحد منهم إِذَا سُئِلَ يَوَدُّ لو أن أخاه كفاه مؤونة السؤال، حتى إن بعضهم كان يأبى أن يروي شيئًا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخافة الزيادة والنقصان، وَمِنْ هَذَا مَا يَرْوِيه اَلعَلاَء بْنِ سَعْدٍ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ لاَ تُحَدِّثُ كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ؟ فَقَالَ: «مَا بِي أَلاَّ أَكُونَ سَمِعْتُ مِثْلَ مَا سَمِعُوا، أَوْ حَضَرْتُ مِثْلَ مَا حَضَرُوا، وَلَكِنْ لَمْ يُدْرَسِ الأَمْرُ بَعْدُ، وَالنَّاسُ مُتَمَاسِكُونَ، فَأَنَا أَجِدُ مَنْ يَكْفِينِي، وَأَكْرَهُ التَّزَيُّدَ وَالنُّقْصَانَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (١).

وإلى جانب ما رويناه من أخبار حول تثبت الصحابة والتابعين في رواية الحديث، وَمَنَاهِجِهِمْ في الإقلال من الرواية مخافة الوقوع في الخطأ، لا بد لنا من أن نتتبع بعض أخبارهم لنرى كيف كانوا يَرْوُونَ الحديث النبوي؟ وهل كانوا يحافظون على لفظ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو كانوا يَرْوُونَ ما يسمعون بألفاظ من عندهم دون أن يغيروا معنى ما سمعوا؟

إذا استعرضنا تلك الأخبار رأينا كثيرًا من الصحابة حرصوا على نقل الحديث بألفاظه، وبعضهم ترخص عند الضرورة في روايته بالمعنى، وكما روى


(١) " الكفاية ": ص ١٧٢.