للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ مِنَ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَغَثٍّ وَسَمِينٍ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه مسلم ...

وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَا ذَكَرْنَا لَكَانَتِ الحُجَّةُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ قَوْلِهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ: «نَضَّرَ الله عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا وَبَلَّغَهَا» ... وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ»، رواه أبو داود والإمام أحمد والحاكم. اهـ.) (١).

٢ - رَأْيُ الخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ:

قال الخطيب: «إنْ قال قائل: ما وجه إنكار عمر على الصحابة روايتهم (٢) عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتشديده عليهم في ذلك، قيل له: فعل ذلك عمر احتياطًا للدين وحسن نظر للمسلمين، لأنه خاف أَنْ يتَّكِلُوا عن الأعمال وَيَتَّكِلُوا على ظاهر الأخبار، وليس حكم جميع الأحاديث على ظاهرها ولا كل من سمعها عرف فقهها، فقد يَرِدُ الحَدِيثُ مُجْمَلاً ويستنبط معناه وتفسيره من غيره، فخشي عمر أَنْ يُحْمَلَ حديث على غير وجهه، أو يؤخذ بظاهر لفظه والحكم بخلاف ما أخذ، ونحو هذا، الحديث الآخر ... عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ عُفَيْر فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» فَقُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ»، قُلْتُ: أَفَلاَ


(١) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ١٢١ - ١٢٤ جـ ٢ باختصار.
(٢) لم يُنكر عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - على الصحابة روايتهم عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنما أنكر الإكثار منها عند عدم الحاجة، ولا يكون إكثار إلا عند عدم الحاجة إلى الإكثار.