وفرق كبير بين أن يعتني عبد الملك ببيت المقدس، ويطهره ويجعل له مظهرًا أروع مما كان له - وبين أن يجعله كعبة المسلمين، وهذا ما اعترف به (فلهوزن) وعقب به على رأي (أوتيخيوس) الذي يتفق مع رأي جولدتسيهر.
فلو صح نسبة بناء القبة إلى عبد الملك - وهو رأي يخالف المصادر الإسلامية الموثوق بها ومبني على مجرد التخمين والاستنتاج - لكان قد بناها واعتنى بالمسجد الأقصى لمكانته عند المسلمين، وهو أقدس الأماكن التي كانت تقع تحت سلطان عبد الملك آنذاك.
ومما يؤكد لنا أنه لم يحمل أحدًا على الحج إليه، بل كان عمله مجرد احترام لذلك المسجد - ما قام به بعد انتصاره على ابن الزبير سَنَةَ (٧٣ هـ) حين أمر بإعادة بناء الكعبة كما كانت عليه في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإزالة ما أدخله ابن الزبير في بنائها سَنَةَ (٦٤ هـ)، فمن الواجب أن يفرق بين اعتنائه بالمسجد الأقصى وجعله مَحَجًّا للمسلمين.
أما أنه حاول أن يحمل الناس على الحج إلى المسجد الأقصى بمساعدة الزهري الذي وضع له الأحاديث في ذلك فغير صحيح قطعًا، وَسَنُثْبِتُ هذا من طريقين: الأول في بيان صلة الزهري بالأمويين، والثاني في استحالة هذا تاريخيًا.
(أ) صِلَةُ الزُّهْرِيِّ بِالأُمَوِيِّينَ:
صحيح أن الزهري كان يتردد بين الحجاز والشام، وكان يدخل على خلفاء بني أمية، ولكنه لم يكن ذلك الرجل الذي يستجدي أكفهم، أو الذي يبيع دنياه بدينه، فالزهري أرفع بكثير مما يتصوره أعداء الإسلام والزهري أسمى مما يراه اليعقوبي، و (جولدتسيهر) وغيرهما، فقد كان الإمام