الحفاظ، الجهابذة النحارير، والنقاد الأشداء! هل يعقل أن يضع ابن شهب حديثًا يُغَيِّرُ به مناسك الحج - كما يزعم جولدتسيهر - ثم يثق به العلماء وطلاب العلم، وتزدحم عليه الجموع لتأخذ عنه كلما جاء إلى المدينة، ويتركون كبار التابعين وشيوخ الصحابة؟؟ وهل خفي على الأمة كلها جيلاً بعد جيل، ما اقترفه ابن شهاب، ليكتشفه اليعقوبي ويؤيده جولدتسيهر؟؟؟ أم أن كل من أخذوا عنه، وتلقوا العلم في حلقاته لا يعقلون!!!؟؟ أم أن من ابتدأ هذا الخبر مفتر ومن أيده متحامل لا يتوخى الحقيقة العلمية!!؟.
لو صح شيء مما افتراه هؤلاء على الزهري لصرح به النقاد، وتركوا حديثه، وحذروا طلاب العلم منه، أو على أقل تقدير يثور عليه شيخه سعيد بن المسيب الذي روى الحديث المذكور عنه، ولكن شيئًا من هذا لم يكن، فظهر بطلان ما ادعوا وافتراء ما اقترفوا.
٤ - استدل جولدتسيهر على صحة ما ادعاه من أن الزهري هو الذي وضع أحاديث بيت المقدس، بأنه كان صديقًا لعبد الملك، وأنه كان يتردد عليه، وأن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق الزهري فقط، وهذا مردود تنفيه الآثار، وتدحضه الأخبار التاريخية، فالزهري عندما قدم دمشق أدخله قبيصة بن ذؤيب على عبد الملك، ليروي له (قضاء عمر في أمهات الأولاد)، فسأله عبد الملك عن نسبه، وذكره بأن أباه اشترك في الثورة مع ابن الزبير، وأمره بطلب العلم ... فلو كان صديقًا لعبد الملك لا يحتاج إلى من يدخله عليه. كما لا يحتاج إلى أن يسأله عن نسبه، ويوصيه بطلب العلم. ثم كيف نصدق نشوء صداقة بين عبد الملك والزهري؟ إذا كان مولد عبد الملك سَنَةَ (٢٦هـ) ست وعشرين من الهجرة، وانتقاله مع أبيه إلى الشام سَنَةَ (٦٤ هـ) أربع وستين،