للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَدِيثًا فاستفهمه الرجل إياه، فقال أبو بكر: «هُوَ كَمَا حَدَّثْتُكَ، أََيُّ أَرْضٍ تَقِلُنِي إِذَا أَنَا قُلْتُ مَا لَمْ أُعْلَمْ!؟».

وَصَحَّ أنَّ الصِدِّيقَ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، والفُجُورُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ» (١). فأبو بكر يُبَيِّنُ للناس جَمِيعًا أنه لا يُحَدِّثُ إلاَّ بما يعلم ويثق منه، ثم إنه لم يكتف بالحيطة لنفسه، بل أمر الناس بذلك أَيْضًا، وَحَثّهُمْ على التثبت فيما يُحَدِّثُونَ به أو يستمعونه، ومن ذلك ما رواه الذهبي من مراسيل ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: «أَنَّ الصِدِّيقَ جَمَعَ النَّاسَ بَعْدَ وَفَاةِ نَبِيِّهِمْ فَقَالَ: إِنَّكُم تُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ تَخْتَلِفُونَ فِيهَا وَالنَّاسُ بَعْدَكُمْ أَشَدُّ اخْتِلاَفًا فَلاَ تُحَدِّثُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ شَيْئًا فَمَنْ سَأَلَكُمْ فَقُولُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنكُمْ كِتَابُ اللهِ فَاسْتَحِلُّوا حَلاَلَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ». ثم قال الذهبي: «يَدُلُّكَ (هَذَا) أَنَّ مُرَادَ الصِدِّيقِ التَثَبُّتَ فِي الأَخْبَارِ وَالتَحَرِّي، لاَ سَدَّ بَابَ الرِّوَايَةِ، أَلاَ تَرَاهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِ أَمْرُ الجَدَّةِ وَلَمْ يَجِدْهُ فِي الكِتَابِ كَيْفَ سَأَلَ عَنْهُ فِي السُّنَنِ، فلَمَّا أَخَبَرَهُ مَا اكْتَفَى حَتَّى اسْتَظْهَرَ بِثِقَةٍ آخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ حَسْبُنَا كِتَابَ اللهِ كَمَا تَقُولُهُ الخَوَارِجُ» (٢).

[ب] تَثَبًّتُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ:

١ - روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي


(١) " تذكرة الحفاظ ": ص ٤ جـ ١، وفي مقدمة " التمهيد ": ص ١١: قال أبو بكر الصِدِّيق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «إِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ، فَإِنَّهُ مُجَانِبُ الإِيمَانِ».
(٢) " تذكرة الحفاظ ": ص ٣، ٤، جـ ١.