فَصِلَةُ الزهري بالأمويين صلة شريفة سامية، صلة العالم الصدوق الذي لا يخشى في الله لومة لائم.
ولا يرد علينا هنا أنه كان يُعَلِّمُ أبناء هشام بن عبد الملك، وأنه ولي القضاء ليزيد بن عبد الملك، فأي شيء يضيره في تعليم أبناء الخليفة وتهذيبهم؟ وأي شيء ينقصه إذا أدب أبناء أولي الأمر وفقههم، ونشأهم النشأة الإسلامية الصحيحة؟ إن في هذا خدمة كبيرة للإسلام والمسلمين، حين يرضى الزهري أن يتعهد أبناء الخليفة بالعناية والرعاية والعلم، ويجنبهم اللهو والانغماس في الشهوات، فهم الذين سيتولون أمور الأمة، ويوجهون سياستها، ولكن أعداء الإسلام لا يسرهم أن يروا ابن شهاب معلمًا شريفًا، ومؤدبًا حكيمًا وقد افتخر به ابن حبيب، فذكره مع أشراف المعلمين وفقهائهم.
وأي عيب يقترفه الزهري إذا ولي القضاء، وهو الرجل الذي عرفنا استقامته ونزاهته وعدالته.
هذا هو وجه الإمام الزهري في علاقته مع البيت الحاكم، وجه مشرق نير، ورأس مرفوع إلى العلياء، لم تخفضه يومًا مِنَّةُ الملوك، ولم تنطفئ نضارته وإشراقته أياديهم عليه، وذلك سلوكه مع أمراء المؤمنين وولاتهم، لا تعتريه شائبة ولا يتناوله شك.
كل هذا ينفي عن إمامنا تهمة وضعه الحديث، لإرضائهم ودعم ملكهم. وَقَدْ أَثْبَتُّ سَابِقًا أن الأمويين لم يشجعوا الوضع (١).