كاد الوضاعون يسيئون إلى الدين إساءة خطيرة، ويشوهون بكذبهم وجه الإسلام، ويدخلون في تعاليمه ما ليس منه، لولا عناية الله - عَزَّ وَجَلَّ - الذي حفظ الإسلام من التحريف والتبديل، وصان كلام نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أن يكون مطية لأهل الأهواء، فَقَيَّضَ للأمة رجالاً أمناء مخلصين، قاوموا الوضاعين وتتبعوهم، ومازوا الباطل من الصحيح، فلولا الجهود التي بذلها الصحابة والتابعون وعلماء الأمة من بعدهم لاشتبه على كثير من الناس بعض أمور دينهم، لكثرة ما اختلقه الكذبة الوضاعون، ونسبوه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زُورًا وَبُهْتَانًا. وإن المنصف لا يسعه إلا أن يقف إجلالاً وإكبارًا لجهود علماء الأمة التي بذلوها - منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السُنَّةِ - في تنقيح السُنَّةِ الشَّرِيفَةِ وتطهيرها مما أدخلته فيها يد الوضع، وإن المرء ليزداد إعجابًا بتلك القواعد العلمية الدقيقة التي طبقها العلماء، وبذلك المنهج الخاص الذي اتبعوه في سبيل الحفاظ على حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولندرك قيمة بحثهم ودراستهم وصبرهم وتتبعهم إزاء تلك الكثرة من الأحاديث الموضوعة، التي يصعب استقصاؤها وحصرها - يكفينا لهذا أن نعلم أنه قد وضع أعداء الإسلام بشهادة حماد بن زيد أربعة عشر ألف حديث، وأقر محرز أبو رجاء القدري التائب بأنهم وضعوا أحاديث في القدر أدخلت أربعة آلاف