للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[د] أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -:

لقد طالت حياة عائشة وحياة أبي هريرة، فكانت حاجة الناس إليهما بمقدار حياتهما فيهم، ولهذا روي عنهما من الحديث مَا لَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمَا، وقد كان أبو هريرة يُحَدِّثُ، فتستدرك عليه السيدة عائشة تارة، وتوافقه أخرى، كما كان يُحَدِّثُ مع غيره من الصحابة، فقد استدركت عائشة على أبي بكر وعمر وعثمان وَعَلِيٍّ، وعلى ابن عمر، وعلى أبي هريرة (١) ... وكل ذلك كان من باب التفاهم والسؤال عن الحديث، أو الدليل في المسألة التي يُفْتِي فيها، كما استدرك غيرها عليها، وكما كانت أحيانًا توجه من يسألها إلى من هو أعرف بالمسؤول عنه، كما وجهت من سألها عن مسح الخف إلى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - (٢)، وفي كل هذا لم يشعر الصحابة بغضاضة أو حَرَجٍ، لأن هدفهم جَمِيعًا وَاحِدٌ، هو تطبيق الشريعة، وما كان الصحابة يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. إلاَّ أنَّ من جاء بعدهم من أهل الأهواء استغلوا ما دار بين الصحابة مِنْ نِقَاشٍ عِلْمِيِّ، أو تثبت في الحديث، وجعلوا منه مَادَّةً يَنْفُذُونَ من خلالها إلى مآربهم، وَيُحَقِّقُونَ غاياتهم. ولكنهم لم يفلحوا، لأَنَّ الأُمَّةَ لم تعدم العلماء المخلصين، الساهرين النابهين، الذي بَيَّنُوا الحق من الباطل، ووضعوا كل شيء في موضعه.

وما من حادثة وقعت لأبي هريرة مع السيدة عائشة إلا بَيَّنَ العلماء وجه الحق فيها، وَلَمْ يَرَوْا في عائشة موقف المكذب لأبي هريرة الطاعن


(١) جمع الإمام بدر الدين الزركشي كتابًا في هذا وسماه " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ".
(٢) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص ١٧٥ حديث ٩٠٦ جـ ٢، ورواه الإمام مسلم.