للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أحاديثه (١)، ولم يفهم أحد مما دار بينهما أن أبا هريرة كذاب يتهمه الصحابة في صدقه وعلمه، لم يفهم هذا إلا أهل الأهواء، وأعداء السنن.

ومما يؤسف له أنهم كانوا يُؤَوِّلُونَ الأخبار كما يريدون، ويفسرون الأحاديث كما يرغبون، وينظرون إلى جانب واحد من موقف الصحابة من أبي هريرة، وهو جانب المناقشات العلمية، فيحسبون أنهم وقعوا على غنيمة دسمة، وينقلون الأخبار الصحيحة التي تبين صدق أبي هريرة وأمانته، وثناء الصحابة عليه، ويستشهدون ببعض الروايات الضعيفة، ويختارون من الثابت منها ما يحقق مآربهم، وأضرب لهذا مثلاً:

قالوا: إن عائشة أنكرت عليه حديثه، فماذا أنكرت؟ وكيف أنكرت عليه؟

عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ! جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ (٢) فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ» (٣) كأنها تنتقد أبا هريرة في سرعة إلقائه.

إن إنكار عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - على أبي هريرة لم يكن مُوَجَّهًا إلى ما يُحَدِّثُ


(١) انظر تفصيل هذه الروايات والرد عليها في كتابنا " أبو هريرة راوية الإسلام ": الفصل الثاني، فقرة (أبو هريرة وعائشة).
(٢) معنى أسبح: أصلي نافلة، وهي السبحة، قيل المراد هنا صلاة الضحى. انظر " فتح الباري: ص ٣٩٠ جـ ٧.
(٣) " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ١٣٥، وانظر " صحيح مسلم ": ص ١٩٤٠ حديث ٧٤٩٣ جـ ٤، و" فتح الباري ": ص ٣٩٠ جـ ٧.