عامة، وإن وجود علة من علل النهي السابقة لا ينفي وجود غيرها ولا يتعارض معه، كما أن وجود علة النهي لا ينفي تخصيص هذا النهي بالسماح لبعض من لا تتحقق فيهم هذه العلة. فالنهي لم يكن عَامًّا، والإباحة لم تكن عامة في أول الإسلام، فحيثما تحققت علة النهي منعت الكتابة، وحيثما زالت أبيحت الكتابة.
وأرى في حديث أبي شاه وفي حديث ابن عباس:«ائْتُونِي بِكِتَابٍ ... » إذنًا عَامًّا، وإباحة مطبقة للكتابة، وعلى هذا لا تعارض بين جميع تلك الروايات فقد سهل التوفيق بينها وتبين وجه الصواب. وانتهى أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإباحة الكتابة، وسنرى فيما بعد بعض ما دُوِّنَ في عهده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مع ما روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إباحة الكتابة، ومع ما كتب في عهده من الأحاديث على يدي من سمح لهم بالكتابة - نرى الصحابة يحجمون عن الكتابة، ولا يقدمون عليها في عهد الخلافة الراشدة، حِرْصًا منهم على سلامة القرآن الكريم وَالسُنَّةِ الشَّرِيفَةِ، فنجد بينهم - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - من كره الكتابة أولاً إباحته لها آخرًا، وذلك حين زالت علة الكراهة.
روى الحاكم بسنده عن القاسم بن محمد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «جَمَعَ أَبِي الحَدِيثَ عَنْ رَسُُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ (١) خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ، فَبَاتَ
(١) في الأصل «كَانَتْ» وما أثبتناه أصح لتستقيم العبارة.