للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَيْلَةً يَتَقَلَّبُ كَثِيرًا ... فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: " أَيْ بُنَيَّة، هَلُمِّي الأَحَادِيثَ التِي عِنْدَكِ "، فَجِئْتُهُ بِهَا، فَدَعَا بِنَارٍ فَحَرَّقَهَا» (١) (*).

وهذا عمر بن الخطاب يفكر في جمع السنة، ثم لا يلبث أن يعدل عن ذلك: عَنْ عُرْوَةَ - بْنَ الزَّبَيْرِ -، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ فَاسْتَفْتَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَكْتُبَهَا، فَطَفِقَ عُمَرُ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهَا شَهْرًا، ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ عَزَمَ اللَّهُ لَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُبًا، فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَشُوبُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا» (٢)، وفي رواية عن طريق مالك بن أنس أن عمر قال عندما عدل عن كتابة السُنَّة: «لاَ كِتَابَ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ» (٣).

وكان خوف عمر من إقدامه على كتابة السُنَّةِ أن ينكب المسلمون على دراسة غير القرآن ويهملوا كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - (٤)، ولذلك نرى عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يمنع الناس من أن يتخذوا كتابًا مع كتاب الله، وينكر إنكارًا شديدًا على من نسخ كتاب (دانيال) ويضربه ويقول له: «انْطَلِقْ فَامْحُهُ ... ثُمَّ لاَ تَقْرَأْهُ وَلاَ تُقْرِئْهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ , فَلَئِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قَرَأْتَهُ أَوْ أَقْرَأْتَهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ لأُنْهِكَنَّكَ عُقُوبَةً» (٥). ولهذا نراه يخطب في الناس قائلاً: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ فِي أَيْدِيكُمْ كُتُبٌ فَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ أَعْدَلُهَا وَأَقْوَمُهَا , فَلاَ يَبْقَيَنَّ


(١) " تذكرة الحفاظ ": ص ٥ جـ ١.
(٢) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٦٤ جـ ١، ونحوه في " تقييد العلم ": ص ٥٠، و " طبقات ابن سعد ": ص ٣٠٦ قسم ١ جـ ٣.
(٣) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٦٤ جـ ١.
(٤) انظر " تقييد العلم ": ص ٥٠.
(٥) " تقييد العلم ": ص ٥٢ ونحوه مختصرًا في " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٤٢ جـ ٢، وفي " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٤٦: ب.