للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدٌ عِنْدَهُ كِتَابٌ إِلاَّ أَتَانِي بِهِ , فَأَرَى فِيهِ رَأْيِي» قَالَ: فَظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ (١) يَنْظُرَ فِيهَا وَيُقَوِّمَهَا عَلَى أَمْرٍ لاَ يَكُونُ فِيهِ اخْتِلاَفٌ , فَأَتَوْهُ بِكُتُبِهِمْ فَأَحْرَقَهَا بِالنَّارِ , ثُمَّ قَالَ: «أُمْنِيَةٌ كَأُمْنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ؟» (٢) كما أنه كتب إلى الأمصار «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَمْحُهُ» (٣).

كل هذا يدل على خشية عمر من أن يهمل كتاب الله أو أن يضاهي به كتاب غيره، ونحن نرى عمر نفسه يأبى أن يبقى رأيه مكتوبًا ويأبى إلا أن يمحوه، فعندما طعن استدعى [طبيبًا]، فعرف دنو أجله، فنادى ابنه قائلاً: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرٍ نَاوِلْنِي الكَتِفَ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُمْضِيَ مَا فِيهَا أَمْضَاهُ». فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرُ: «أَنَا أَكْفِيكَ مَحْوَهَا». فَقَالَ: «لاَ وَاللَّهِ لاَ يَمْحُوهَا أَحَدٌ غَيْرِي». فَمَحَاهَا عُمَرُ بِيَدِهِ وَكَانَ فِيهَا فَرِيضَةُ الجَدِّ (٤).

ونرى عمر نفسه حين يأمن حفظ القرآن، يكتب بشي من السنة إلى بعض عماله وأصحابه، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ " النَّهْدِيِّ " قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بِأَشْيَاءَ يُحَدِّثُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، إِلاَّ هَكَذَا»، وَقَالَ: بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: «فَرَأَيْتُ أَنَّهَا أَزْرَارُ الطَّيَالِسَةِ حِينَ رَأَيْنَا الطَّيَالِسَةَ» (٥).

وروي عن عبد الله بن مسعود كراهيته لكتابة الحديث الشريف: عَنْ


(١) زدنا (أَنْ) على الأصل لتستقيم العبارة.
(٢) " تقييد العلم ": ص ٥٢، رواه محمد بن القاسم.
(٣) " تقيد العلم ": ص ٥٣، و " جامع بيان العلم وفضله " ص ٦٥ جـ ١.
(٤) " طبقات ابن سعد ": ص ٢٤٧ قسم ص٢ جـ ٣.
(٥) " مسند الإمام أحمد ": ص ٢٦١ جـ ١.