للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرأي القائل بأن عبد الملك هو الذي بنى قبة الصخرة، ولكنهم لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه (جولدتسيهر) في ادِّعَائِهِ (١) الذي افتراه على عبد الملك، وإن كان أكثرهم يعتقد سُوءًا في بني أمية، يقول المستشرق (يوليوس فلهوزن): «وَلِكَيْ يَزِيدَ خُلَفَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ فِي رُجْحَانِ كَفَّةِ الشَّامِ مِنَ النَّاحِيَةِ السِّيَاسِيَّةِ حَاوَلُوا فِيمَا حَاوَلُوا نَقْلَ مَرْكَزَ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ مِمَّا اسْتَوْجَبَ ذَلِكَ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ ظَلَّ يَحْتَلُّ البَيْتَ الحَرَامَ فِي مَكَّةَ قُرَابَةً مِنَ عَشْرِ سِنِينَ، فَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ الشَّامِ يَسْتَطِيعُونَ الحَجَّ، مَا دَامُوا عَلَى وَلاَئِهِمْ لِلأُسْرَةِ الأُمَوِيَّةِ إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ، وَقَدْ اسْتَغَلَّ عَبْدُ المَلِكِ ذَلِكَ لِمَنْعِ رَعَايَاهُ مِنَ الحَجِّ إِلَى مَكَّةَ، وَحَضَّهُمْ عَلَى أَنْ يَحُجُّوا إِلَى بَيْتِ اللهِ المُقَدَّسِ بَدَلاً مِنَ أَنْ يَحُجُّوا إِلَى مَكَّةَ، وَهَذَا مَا يَحْكِيهِ (أُوتِيخْيُوسْ) (*) عَلَى الأَقَلِّ فِي كِتَابِهِ " التَّارِيخْ "، أَمَّا الذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ جَهَدَ فِي أَنْ يَجْعَلَ لِبَيْتِ المَقْدِسِ - بِاعْتِبَارِهِ مَكَانًا مُقَدَّسًا فِي نَظَرِ الإِسْلاَمِ - مَظْهَرًا أَرْوَعَ مِمَّا كَانَ لَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى صِدْقِ الرِّوَايَةِ القَائِلَةِ بِأَنَّهُ هُوَ الذِي بَنَى قُبَّةَ الصَّخْرَةِ مَوْجُودٌ فِي النَّقْشِ الذِي لاَ يَزَالُ بَاقِيًا فِي الجُزْءِ القَدِيمِ مِنْ هَذَا البِنَاءِ، أَمَّا النَّقْشُ الحَالِيُّ فَيُذْكَرُ فِيهِ اسْمَ المَأْمُونِ الخَلِيفَةَ العَبَّاسِيَّ، عَلَى أَنَّهُ هُوَ البَانِي، وَلَكِنَّ (دِي فُوجِي) اكْتَشَفَ أَنَّ اسْمَ المَأْمُونِ إِنَّمَا أُدْخِلَ فِي النَّقْشِ الأَصْلِيِّ مِنْ طَرِيقِ تَصْحِيحٍ لِكِتَابَةٍ سَابِقَةٍ. وَقَدْ فَاتَ عَلَى المُصَحِّحِينَ أَنْ يُصَحِّحُوا التَّارِيخَ القَدِيمَ الذِي يُبَيِّنُ السَّنَةَ التِي كَانَ فِيهِ البِنَاءُ. وَيُمْكِنُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ النَصَّ الأَصْلِيَّ عَلَى القَطْعِ هَكَذَا: " بَنَى هَذِهِ القُبَّةَ فِي سَنَةِ ٧٢ هـ عَبْدُ اللهِ عَبْدُ المَلِكِ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ» (٢).


(١) انظر " المغازي الأولى ومؤلفوها " حيث بَيَّنَ المستشرق (يوسف هوروفتش) رأيه في هذا ص ٥٢.
(٢) " تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية ":: ص ٢٠٦، ٢٠٧.