يَقِفُونَ عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ» ورغمًا عما في نسبة بنائها لعبد الملك من ضعف، ومن مخالفته لما ذكره أئمة التاريخ، فإن هذا النص لا غبار عليه، وليس فيه ما يدل على أنه بناها ليفعل الناس ذلك، بل ظاهره أنهم كانوا يفعلون من تلقاء أنفسهم، وليس فيه ذكر الحج عند القُبَّةِ بَدَلاً من الكعبة، بل فيه الوقوف عندها يوم عرفة، وهذه العادة كانت شائعة في كثير من أمصار الإسلام نص الفقهاء على كراهتها، وفرق كبير بين الحج إليها بَدَلاً من الكعبة، وبين الوقوف عندها تَشَبُّهًا بوقوف الحج في عرفة، ليشارك من لم يستطع الحج الحُجَّاجَ في شيء من الأجر والثواب، ولم يكن ذلك مقصورًا على قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، بل كان كل مصر إسلامي يخرج أهله يوم عرفة إلى ظاهر البلد فيقفون كما يقف الحُجَّاجُ» (١).
ثم إن بناء عبد الملك قبة الصخرة ليحج الناس إليها بدلاً من الحج إلى البيت الحرام كُفْرٌ صَرِيحٌ لا يمكن أن يصدر عن مثله، وهو الذي عرفنا مكانته العلمية وورعه.
ومما يدل على بطلان ما ادعاه (جولدتسيهر) موقف خصوم الأمويين من عبد الملك، الذين لم يذكروا شيئًا من هذا في طعونهم له، ولو صح بعض ما ادعاه اليعقوبي و (جولدتسيهر) لكان إعلان تكفير عبد الملك والتشهير به أول الطعون التي توجه إليه لاجترائه - حسب ادعاء جولدتسيهر - على حرمات الله، والعبث بشعائر الإسلام.
ومما يدل على تحامل المستشرق (جولدتسيهر) على الأمويين، وعلى عبد الملك، وعلى الإمام الزهري - موقف غيره من المستشرقين الذين رَجَّحُوا
(١) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص ٣٩٩، ٤٠٠.