للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس في أية رواية تكذيب عمر لأبي هريرة أو ضربه، وكل ما في الأمر أنه نهاه عن كثرة الرواية، وقد قال ابن كثير عقب خبره: «وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ الأَحَادِيثِ الَّتِي يَضَعُهَا النَّاسُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَأَنَّهُمْ يَتَّكِلُونَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ أَحَادِيثِ الرُّخَصِ، أَوْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ الحَدِيثِ رُبَّمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ بَعْضُ الغَلَطِ أَوِ الخَطَأِ فَيَحْمِلُهَا النَّاسُ عَنْهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ». اهـ (١).

وَرَوَى أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لأَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي التَحْدِيثِ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ وَرَعَهُ وَخَشْيَتَهُ الخَطَأَ، قاَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «بَلَغَ عُمَرَ حَدِيثِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: كُنْتَ مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ فُلاَنٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ لِمَ سَأَلَتْنِي عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَلِمَ سَأَلْتُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَئِذٍ: " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". قَالَ: أَمَّا إِذَنْ فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ» (٢).

فعمر لم يطعن في أبي هريرة، وكل ما صدر منه إنما كان تطبيقًا لمنهجه من التثبت في السُنَّةِ والإقلال من الرواية. وأبو هريرة نفسه كان يذكر لأصحابه شدة عمر في تطبيق منهجه (٣).

ويدل على أن عمر لم يكذبه، ولم يطعن فيه، ولم يهدده بالنفي إلى جبال دوس - هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: «أَخَذَتِ


(١) " البداية والنهاية ": ص ١٠٧ جـ ٨.
(٢) " البداية والنهاية ": ص ١٠٧ جـ ٨، و" سير أعلام النبلاء ": ص ٤٣٤ جـ ٢.
(٣) انظر " البداية والنهاية ": ص ١٠٧ جـ ٨، وانظر ما ساقه أبو القاسم البلخي في كتابه " قبول الأخبار ": ص ٥٧، ٥٨ محاولاً الطعن في أبي هريرة ولكنه لَمْ يُوَفَّقْ. وقد أساء أبو رية بعدم نقله النصوص كاملة عن ابن كثير.