للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويأمرهم بالإقلال منه، وهو يندبهم إلى الحديث عن نفسه، بقوله: «مَنْ حَفِظَ مَقَالَتِي وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ تَنْتَهِي بِهِ رَاحِلَتُهُ» ثم قال: «وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لاَ يَعِيَهَا فَلاَ يَكْذِبْ عَلَيَّ» وهذا يُوضِّحُ لك ما ذكرنا، والآثار الصحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا، وإنما يدور على (بيان) (١) عن (الشعبي) وليس مثله حُجَّةٌ في هذا الباب، لأنه يعارض السُنَنَ وَالكِتَابَ.

قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (٢) ... وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٣) ...

ومثل هذا في القرآن كثير، ولا سبيل إلى اتباعه (٤) والتأسي به، والوقوف عند أمره، إلاَّ بالخبر عنه، فكيف يَتَوَهَّمُ أحد على عمر أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَضَّرَ الله عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ... » الحديث. وفيه الحض الوكيد على التبليغ عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: «خُذُوا عَنِّي فِي غَيْرِ مَا حَدَّثْتُ وَبَلِّغُوا عَنِّي»، والكلام في هذا أوضح من النهار لأُولِي النُّهَى والاعتبار. ولا يخلو الحديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنْ يكون خَيْرًا أَوْ شَرًّا. فإنْ كان خَيْرًا ولا شك في أنه خير فالإكثار من الخير أفضل، وإنْ كان شَرًّا - فَلاَ (٥)


(١) هو بيان بن بشر الأحمسي أبو بشر الكوفي كما في " الخلاصة ". وهو ثقة، وطعن ابن عبد البر في روايته هذه لأنه خالف من هو أوثق منه. وهذا لا يمنع صحتها، وأرى أَنَّ جميع ما ورد عن عمر غير متعارض كما أبيِّنُهُ بعد قليل، وطَعَنَ ابن حزم في حديث قرظة أَيْضًا، وناقش نهي عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عن الإكثار من التَحَدُّثِ مناقشة طيبة قريبة من مناقشة ابن عبد البر، انظر " الإحكام ": ص ١٣٧ جـ ٢ وما بعدها.
(٢) [سورة الأحزاب، الآية: ٢١].
(٣) [سورة الحشر، الآية: ٧].
(٤) أي اتِّباع الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(٥) في الأصل (وَلاَ) وقد تكون خطأ من الناسخ فأثبتْناها (فَلاَ) لأنَّ الفاء رابطة لجواب (إِنَّ) الشرطية.