بعظمة تراثنا التشريعي، فكيف يتنكر له بعض المسلمين، ونحن أحوج ما نكون إلى التمسك به، بعد أن عانى المسلمون وطأة الإستعمار فترة طويلة، وذاقوا مرارة التفرقة والهوان، بعد أن كانوا سادة العالم.
نحن - في نهضتنا - بحاجة إلى الرجوع إلى شريعتنا، إلى قرآننا وسُنَّة رسولنا، بعد أن حطمنا القيود، ونقضنا غبار الجهالة، ومزَّقنا عصابة العماية عن العيون، فلا بد لإتمام تحرُّرنا من أنْ نتخلَّص من هذه الأفكار التي تسرَّبت إلى صفوفنا، وحملها بعض إخواننا وأبنائنا، سواء أكان هذا عن حسن نية منهم أم عن سوء نية، لأنها تخدم أعداءنا الذين لا يسرهم اجتماع كلمتنا وسعادتنا.
ولما كانت السنة مُبيِّنة للقرآن الكريم، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولما كان الواقع في حفظ السُنَّة يخالف ما ادعاه المغرضون، كان لا بد من تناول السُنَّة بدراستها وبحث تاريخها، وقد بيَّن الأصوليون وبعض المُحدِّثين مكانة السُنَّة من التشريع الإسلامي، وبقي أن تُبيِّن الحقيقة التاريخية للسُنَّة وكيف اعتنى السلف الصالح بها وحفظها ونقلها قبل أن تصلنا في كتبها المشهورة.
وقد رأيت أن أتناول هذا الجانب من البحث في فترة ما قبل التدوين، وأقصد بالتدوين هنا التدوين والتصنيف المشهور، الذي كان في مطلع القرن الهجري الثاني تمشياً مع عرف علماء الحديث، والذي يعود الفضل فيه إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، فليكن هذا هو التدوين الرسمي، ذلك لأنه قد ثبت تدوين جانب من السُنَّة في عهده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعهد الصحابة.
تلك أسباب لاختيار هذا الموضوع، وسبب آخر هو أنه لم يسبق لأحد أنْ بَحَثَ كيف اجتازت السُنَّة تلك الحقبة بحثاً دقيقاً وافياً، إنما كان بحث السلف في هذه الناحية لا يعدو ذكر لمحات عن تلك الحقبة، لاقتناعهم واقتناع المسلمين بأنَّ