للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّجُلِ، فَآتِي بَابَهُ، وَهُوَ قَائِلٌ (١)، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ تُسْفِي الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ؛ فَيَخْرُجُ فَيَقُولُ: " يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ، مَا جَاءَ بِكَ؟ أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ " فَأَقُولُ: " أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ "، فَأَسْأَلُهُ عَنِ الحَدِيثِ» (٢).

وكانت رغبة الصحابة في سماع حديث رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عظيمة، وهل أحب إلى المرء من أن يسمع حكم مُرَبِّيهِ وأحكامه وتشريعاته؟ وهل من شيء أعز على المسلم من أن يُحْيِي آثار منقذه من الضلال ورائده إلى الخير؟ لقد كان الصحابة مندفعين بإخلاص إلى سماع حوادث رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسيرته وحديثه، فهذا أبو بكر الصِدِّيقُ يقف عند عازب والد البراء فيشتري منه رَحْلاً وهو للناقة كالسرج للفرس، ثم يقول له: «مُرْ البَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ: لاَ، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ مَعَهُ؟»، فقص عليه خبر الهجرة (٣).

وهذا عَلِيٌّ أمير المؤمنين يَلْتَقِي بكَعْبِ الأَحْبَارِ فَيَقُولُ لَهُ كَعْبٌ: " يَا عَلِيُّ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي المُنْجِيَاتِ؟ " قَالَ: " لاَ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي المُوبِقَاتِ "، فَقَالَ كَعْبٌ لِعَلِيٍّ: " حَدِّثْنِي بِالمُوبِقَاتِ، حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِالْمُنْجِيَاتِ " فَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «المُوبِقَاتُ: تَرْكُ السُّنَّةِ، وَنَكْثُ البَيْعَةِ، وَفِرَاقُ الْجَمَاعَةِ» فَقَالَ كَعْبٌ لِعَلِيٍّ: " الْمُنْجِيَاتُ: كَفُّ لِسَانِكَ، وَجُلُوسٌ فِي بَيْتِكَ، وَبُكَاؤُكَ عَلَى خَطِيئَتِكَ " (٤).


(١) أي هو في نوم الظهيرة من القيلولة والقائلة.
(٢) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ٢٤: آ، وانظر ص ٢٤: ب منه و" تذكرة الحفاظ ": ص ٣٨ جـ ١.
(٣) " مسند الإمام أحمد ": ص ١٥٤ - ١٥٦ جـ ١ وانظر " فتح الباري ": ص ٤٣٥ جـ ٧.
(٤) " المحدث الفاصل ": ص ١٤٩: آ.