للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَرَى أَنَّ إِضَاعَةَ الحَدِيثِ التَّحْدِيثُ بِهِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ» (١) وكثيرًا ما كان يَقُولُ: «لاَ تَنْثُرُوا اللُّؤْلُؤَ عَلَى أَظْلاَفِ الْخَنَازِيرِ» يَعْنِي الحَدِيثَ (٢) أي لا تحدثوا الحديث لغير أهله.

وَرَأَى الأَعْمَشُ شُعْبَةََ بْنَ الحَجَّاجِ يُحَدِّثُ قَوْمًا، فَقَالَ لَهُ: «وَيْحَكَ يَا شُعْبَةُ! تُعَلِّقُ الدُّرَّ فِي أَعْنَاقِ الخَنَازِيرِ (٣)؟». قَالَ مُجَالِدٌ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ ... فَرَوَيْتُهُ عَنْهُ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا حَدَّثْتُ بِهَذَا الحَدِيثِ قَطُّ، فَأَتَوْنِي، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَوَ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ: «أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثِ الحُكَمَاءِ، وَتُحَدِّثُ بِهِ السُّفَهَاءَ!؟» (٤). وكان يقول: «إِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ هَذَا العِلْمَ مَنْ جَمَعَ النُّسُكَ وَالعَقْلَ، فَإِنْ كَانَ عَاقِلاً بِلاَ نُسُكٍ قِيلَ: هَذَا لاَ يَنَالُهُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِكًا بِلاَ عَقْلٍ قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ لاَ يَنَالُهُ إِلاَّ العُقَلاَءُ» (٥).

وأختتم هذه الفقرة بذكر شيء من أساليب الحيطة، التي كان يفعلها زائدة بن قدامة (٦) مع من يأتيه طالبًا للحديث، حِرْصًا منه على صيانة السُنَّةِ المُطَهَّرَةِ وحفظها.

رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ المُهَلَّبِ الأَزْدِيُّ، قَالَ: «كَانَ زَائِدَةُ لاَ يُحَدِّثُ أَحَدًا حَتَّى يَمْتَحِنَهُ، فَإِنْ كَانَ غَرِيبًا، قَالَ لَهُ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ البَلَدِ قَالَ: أَيْنَ مُصَلاَّكَ؟ وَيَسْأَلُ كَمَا يَسْأَلُ القَاضِي عَنِ البَيِّنَةِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ قَالَ: لاَ تَعُودَنَّ إِلَى هَذَا المَجْلِسِ،


(١) " المحدث الفاصل ": ص ١٤١: آ.
(٢) " المحدث الفاصل ": ص ١٤١: آ.
(٣) " المحدث الفاصل ": ص ١٤٢: آ.
(٤) " المحدث الفاصل ": ص ١٤١: ب، ولعل الشعبي أنكر ذلك لأنه خشي من القوم السفهاء أن يتخذوا ما حَدَّثَ به ذريعة إلى أهوائهم.
(٥) " تذكرة الحفاظ ": ص ٧٧ جـ ١.
(٦) انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ ": ص ١٩٤ جـ ١، وهو إمام حُجَّةٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ ١٦١ هـ.