للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحل في حرف (١)، ويظهر أن «مَسْرُوقًا» (٢) كان كثير الترحال، ولذلك قَالَ عَامِرُ الشَّعْبِيِّ: «مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَطْلَبَ [لِلْعِلْمِ] فِي أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ مِنْ مَسْرُوقٍ» (٣). ويروى عن الشعبي أنه حَدَّثَ بحديث ثم قال لمن حدثه: «أَعْطَيْتُكَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّاكِبُ لَيَرْكَبُ إِلَى المَدِينَةِ فِيمَا دُونَهُ» (٤).

وكان الصحابة الكرام يشجعون على طلب العلم، وعلى الرحلة من أجله، من هذا ما رُوِيَ عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى مِنِّي، تَبْلُغُهُ الإِبِلُ، لأَتَيْتُهُ» (٥)، وكانوا يرحبون بطلاب العلم كما سبق أن ذكرنا، وكل هذا حَبَّبَ إلى التابعين الرحلة، حتى إِنَّ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلاً سَافَرَ مِنْ أَقْصَى الشَّامِ إِلَى أَقْصَى اليَمَنِ؛ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ مَا رَأَيْتُ سَفَرَهُ ضَاعَ (٦)»، وفعلاً كانوا يرحلون إلى الصحابة ولا يرون أن سفرهم قد ضاع.

عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، أَتَيْتُكَ مِنَ المَدِينَةِ، مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ


(١) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٩٤ جـ ١.
(٢) ومسروق هو ابن الأجدع الهمداني أبو عائشة تابعي ثقة يمني الأصل، رحل إلى المدينة أيام أبي بكر ثم سكن الكوفة وشهد حروب علي وكان يفتي، تُوُفِّيَ سَنَةَ (٦٢ هـ). انظر: " تهذيب التهذيب ": ص ١٠٩ جـ ١٠.
(٣) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٩٤ جـ ١. و" المحدث الفاصل ": ص ٢٩: آ.
(٤) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٩٤ جـ ١. و" معرفة علوم الحديث ": ص ٧، وقد أخرج الشيخان نحوه، انظر " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص ١٧١ جـ ٢، وانظر " الأدب المفرد ": ص ٨١، و" صحيح مسلم ": ص ١٣٥ جـ ١، كما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
(٥) " الكفاية ": ص ٤٠٢.
(٦) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٩٥ جـ ١. و" الرحلة الحجازية والرياض الأنسية ": ص ١٤.