يستعذبونها في سبيل حفظ السنة، وسماع أحاديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من منابعها الصحيحة، ويكفينا أن نقرأ في ترجمة أحدهم، هو فلان اليمني، ثم المكي، ثم المدني، ثم الشامي، ثم الكوفي، ثم البصري، ثم المصري، لنعرف مقدار ما قاسى في قطع الفيافي والبعد عن الأهل والأوطان، وما تحمله من مشاق حتى أصبح من رجال الحديث في عصره، فلم يصلنا الحديث في مصنفاته وكتبه، مرتبًا باسانيده، وعلى أبواب جامعة كل منها في موضوع خاص، إلا بعد أن خدمه الصحابة، والتابعون وأتباعهم، والعلماء من بعدهم ووقفوا عليه حياتهم، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، وأسكنهم فسيح جناته.
لا شك في أن الحديث النبوي قد انتشر جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع القرآن الكريم، ووصل إلى الأقاليم الإسلامية الجديدة، ولا نشك في أن العلم لم يبق مقصورًا على مكة والمدينة، بل تعددت مراكزه ومجالسه، وشهدت الأمصار البعيدة ما شهدته حواضر العالم الإسلامي، من نشاط علمي على يدي الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، ويمكننا أن نتصور مدارس متنقلة في مختلف الأمصار، روادها الصحابة وكبار التابعين، إذ كان يكفي لأهل خراسان مثلاً أن يحل بينهم صحابي حتى يسرعوا إليه، ويلتفوا حوله ويسألوه ويستقرئوه القرآن ويسمعوا منه حديث الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
هذا جانب عظيم يصور لنا انتشار السُنَّةِ في أبعد حدود الدولة الإسلامية ولكن لا بد لنا من أن نقول الحق وإن كان مُرًّا، فإن بعض من دخل الإسلام - إثر الفتح - إنما دخله نفاقًا، أو اعتنقه على