للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإلى جانب هذا كانوا يبادلون العرب الاعتزاز والفخار، فحملهم هذا على وضع أحاديث ترفع من قدرهم، وتبين فضائلهم، ومن ذلك حديث: «إِنَّ كَلامَ الَّذِينَ حَوْلَ العَرْشِ بِالفَارِسِيَّةِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَوْحَى أَمْرًا فِيهِ لِينٌ أَوْحَاهُ بِالفَارِسِيَّةِ، وَإِذَا أَوْحَى أَمْرًا فِيهِ شِدَّةٌ أَوْحَاهُ بِالعَرَبِيَّةِ» (١) فوضع مقابله حديث: «أَبْغَضُ الكَلامِ إِلَى اللَّهِ الفَارِسِيَّةُ، وَكَلامُ الشَّيَاطِينِ الخُوزِيَّةُ، وَكَلامُ أَهْلِ النَّارِ البُخَارِيَّةُ، وَكَلامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَرَبِيَّةُ» (٢)، وحديث: «دَعُونِي مِنَ السُّودَانِ إِنَّمَا الأَسْوَدُ لِبَطْنِهِ وَفَرْجِهِ» (٣).

ومنشأ وضع الأحاديث في فضائل بعض القبائل العربية يرجع - في غالب ظني - إلى إثارة تلك العصبية القبلية التي ظهرت في الدولة الأموية عقب وفاة يزيد بن معاوية (٤).

وكانت وضعت أحاديث في الجنس والقبيلة واللغة وضعت أحاديثُ في تفضيل البلدان والأئمة، وأظن أن انتقال مركز إدارة الدولة الإسلامية من بلد إلى آخر كان له أثر بعيد في دفع بعض المتعصبين إلى وضع الأحاديث في فضائل بلدانهم أو أئمتهم.

ومما لا شك فيه أن التعصب للأئمة لم يظهر إلا في القرن الثالث الهجري، ولم تبد هذه الظاهرة إلا من الأتباع الجاهلين، فَوُضِعَتْ أحاديث كثيرة في فضائل البلدان منها: «أَرْبَعُ مَدَائِنَ مِنْ مُدُنِ الجَنَّةِ فِي الدُّنْيَا: مَكَّةُ، وَالْمَدِينَةُ،


(١) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص ١٣٦ جـ ١.
(٢) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص ١٣٧ جـ ١.
(٣) المرجع السابق: ص ٣١ جـ ٢.
(٤) انظر " تاريخ الإسلام " للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص ٣٣٧ جـ ١.