للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني من «أبي هريرة»، وطبيعي أن يتقرب بعض المرائين إلى الطبقة الحاكمة بوضع ما يرضيهم من الحديث، وقد حدث هذا فعلاً في عهد العباسيين، فقد أَسْنَدَ الحَاكِمُ «عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْمَهْدِيُّ: أَلاَ تَرَى مَا يَقُولُ لِي مُقَاتِلٌ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ وَضَعْتُ لَكَ أَحَادِيثَ فِي العَبَّاسِ، قُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا» (١).

وقد كذب غياث بن إبراهيم للمهدي في حديث «لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» فزاد فيه «أَوْ جَنَاحٍ» حين رآه يلعب بالحمام، فتركها المهدي بعد ذلك، وأمر بذبحها، بعد أن أعطاه عشرة آلاف درهم، وقال فيه بعد أن ولي: «أَشْهَدُ عَلَى قَفَاكَ أَنَّهُ قَفَا كَذَّابٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (٢). وإن هذا الإنكار من المهدي لا يكفي، بل كان عليه ألا يعطيه عشرة آلاف درهم من أموال المسلمين، لكذبه على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يمنعه من هذا ويزجره ويحبسه إذا لم يشأ أن يقتله (٣).

وهناك أسباب أخرى بَيَّنَهَا رجال الحديث، وضربوا لها الأمثال، مثال ذلك ما أسنده الحاكم عَنْ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، فَجَاءَ ابْنُهُ مِنَ الكُتَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: " مَالَكَ؟ " قَالَ: " ضَرَبَنِي المُعَلِّمُ " فَقَالَ: " لأُخْزِيَنَّهُمُ اليَوْمَ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ


(١) " تدريب الراوي ": ص ١٨٧، و" الباعث الحثيث ": ص ٩٤ وأبو عبيد الله هو وزير المهدي.
(٢) " المدخل ": ص ٢٠، ٢١ و" الباعث الحثيث ": ص ٩٤، و" تدريب الراوي ": ص ١٨٧، و" توضيح الأفكار ": ص ٧٦ جـ ٢.
(٣) راجع " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص ١٠٤، فقد كتب أستاذنا الدكتور السباعي كلمة طيبة جريئة لما كان لتساهل الخلفاء والأمراء مع الوضاعين من أثر سيء في الدين.