للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن دقيق العيد: «وَكَثِيرًا مَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ (أَيْ بِالوَضْعِ) بِاعْتِبَارٍ يَرْجِعُ إِلَى المَرْوِيِّ وَأَلْفَاظِ الحَدِيثِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا حَصَلَتْ لَهُمْ بِكَثْرَةِ مُحَاوَلَةِ أَلْفَاظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْئَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ وَمَلَكَةٌ يَعْرِفُونَ بِهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَلْفَاظِهِ وَمَا لاَ يَجُوزُ، ... فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الوَضْعِ مِنْ قَرِينَةِ حَالِ المَرْوِيِّ أَكْثَرُ مِنْ قَرِينَةِ حَالِ الرَّاوِي» (١).

ومن القرائن التي تدل على الوضع في المتن:

١ - ركاكة اللفظ في المروي:

بحيث يدرك من له إلمام باللغة أن هذا ليس من فصاحة النبي، وقد وضعت أحاديث ركيكة تشهد ألفاظها ومعانيها لوضعها. قال الحافظ ابن حجر: «المَدَارُ فِي الرِّكَّةِ عَلَى رِكَّةِ المَعْنَى، فَحَيْثُمَا وُجِدَتْ دَلَّ عَلَى الوَضْعِ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ رِكَّةُ اللَّفْظِ ; لأَنَّ هَذَا الدِّينَ كُلُّهُ مَحَاسِنُ، وَالرِّكَّةُ تَرْجِعُ إِلَى الرَّدَاءَةِ، أَمَّا رَكَاكَةُ اللَّفْظِ فَقَطْ، فَلاَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، فَغَيَّرَ أَلْفَاظَهُ بِغَيْرِ فَصِيحٍ، ثُمَّ إِنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَاذِبٌ» (٢).

٢ - فساد المعنى: كالأحاديث التي يكذبها الحس، نحو حديث: «البَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» (٣) و «البَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» (٤)، ومنها سماجة الحديث، وكونه مما يسخر منه كحديث: «لَوْ كَانَ الأَرُزُّ رَجُلا لَكَانَ حَلِيمًا، مَا أَكَلَهُ جَائِعٌ إِلا أَشْبَعَهُ» (٥). قال ابن قيم الجوزية: «فَهَذَا مِنَ السَّمِجِ الْبَارِدِ الَّذِي يُصَانُ عَنْهُ كَلاَمِ العُقَلاَءِ، فَضْلاً


(١) " توضيح الأفكار ": ص ٩٤ جـ ٢.
(٢) " الباعث الحثيث ": ص ٩٠.
(٣) " المنار " لابن قيم الجوزية: ص ١٩.
(٤) " المنار " لابن قيم الجوزية: ص ١٩.
(٥) " المنار " لابن قيم الجوزية: ص ٢٠.