للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاديث في الكراريس، وتشبه بالمصاحف (١)، وكان يقول: «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا قَطُُّ» (٢)، حتى إنه منع حماد بن سليمان من كتابة أطراف الأحاديث (٣)، ثم تساهل في كتابتها، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: «رَأَيْتُ حَمَّادًا يَكْتُبُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ " أَلَمْ أَنْهَكَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَطْرَافٌ "» (٤).

ونسمع عَامِرًا الشَّعْبِيَّ (١٧ - ١٠٣ هـ) يردد عبارته المشهورة: «مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ، وَلاَ سَمِعْتُ مِنْ رَجُلٍ حَدِيثًا فَأَرَدْتُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيَّ» (٥).

وقد ازدادت كراهة التابعين للكتابة عندما اشتهرت آراؤهم الشخصية فخافوا أن يُدَوِّنَهَا طلابهم مع الحديث، وتحمل عنهم، فيدخله الالتباس.

ويمكننا أن نستنبط أن من كره الكتابة وأصر، إنما كره أن يدون رأيه، وفي هذا يقول الدكتور يوسف العش: «وَأَمَّا مَنْ وَرَدَ عَنْهُمْ


(١) انظر " سنن الدارمي ": ص ١٢١ جـ ١، و" جامع بيان العلم وفضله ": ص ٦٧ جـ ١، و" تقييد العلم ": ص ٤٨.
(٢) " تقييد العلم ": ص ٦٠، وكان يقول: «لاَ تَكْتُبُوا فَتَتَّكِلُوا». وانظر " جامع بيان العلم ": ص ٦٨ جـ ١.
(٣) انظر " طبقات ابن سعد ": ص ١٩٠ جـ ١.
(٤) " سنن الدارمي ": ص ١٢٠ جـ ١، ونحوه في كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص ١٩٤. قال أستاذنا الدكتور يوسف العش: «وَلَقَدْ تَشَدَّدَ بَعْضُهُمْ فَأَرَادَ أَلاَّ يَكُونَ سَبِيلٌ لِلْشُّبَهِ أَبَدًا فَأَحَلَّ كِتَابَةَ العِلْمِ فِي الأَطْرَافِ - أَيْ عَلَى أَطْرَافِ العِظَامِ فَقَطْ - كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ، فَهِيَ صَعْبَةَ الحِفْظِ، وَالمُضَاهَاةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الكَرَارِيسِ بَعِيدَةٌ». اهـ. انظر: الصفحة (٧) من مجلة " الثقافة "المصرية عدد ٣٥٢ السنة السابعة. أقول: ليس المراد من الأطراف (أطراف العظام) بل أطراف الأحاديث. وهي أن يكتب المصنف طرف الحديث بحيث يعرف بقيته مع الجمع لأسانيده، ويوضح ما ذهبنا إليه رواية زهير بن حرب وفيها قول إبراهيم: «لاَ بَأْسَ بِكِتَابِ الأَطْرَافِ». انظر كتاب " العلم ": ص ١٩٤. وكتب الأطراف كثيرة عقد لها صاحب " الرسالة المستطرفة " بحثًا في رسالته (صفحة ١٢٥ - ١٢٧) وكتاب " ذخائر المواريث " لعبد الغني النابلسي (*) هو أحد كتب الأطراف المشهورة.
(٥) " العلم " لزهير بن حرب: ص ١٨٧: ب، و" جامع بيان العلم ": ص ٦٧ جـ ١