لم يكن ناشئًا من قيام حزبين أحدهما يبيح الكتابة والآخر يكرهها، بل أباحوا الكتابة حين زالت أسباب المنع، وكرهوا الكتابة حين وجدت أسباب منعها وكراهتها، كخشية التباس القرآن بالسنة، أو الانشغال بالسنة عن القرآن، أو خوف مضاهاة الكتاب الكريم بكراريس الحديث وكتبه. وقد ثبتت أخبار الكراهة عن بعض من أباحوا الكتابة، كما ثبتت أخبار الإباحة عن بعض من كرهوا الكتابة، وكانت غايتهم جَمِيعًا واحدة، وهي المحافظة على القرآن والسنة: أن يلتبس أحدهما بالآخر، ثم انعقد الإجماع على إباحة الكتابة حين زالت أسباب كراهتها.
٤ - خشي عمر بن عبد العزيز اندراس السُنَّةِ، وتسرب الوضع إليها، فأمر بجمعها على أيدي كبار علماء التابعين، وأمر المسؤولين في مختلف أقاليم الدولة الإسلامية بالاعتناء بالحديث الشريف، وتشجيع العلماء على عقد حلقات دراسته في المساجد، وشارك عمر بن عبد العزيز نفسه العلماء في ذلك، ووزع قبل وفاته ما كتبه الإمام الزهري، فَلِعُمَرَ الفَضْلُ الكَبِيرُ في تحميل الدولة مسؤولية حفظ السُنَّةِ رسميًا.
وأما التدوين الفردي فقد وقع فعلاً في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي عهد الصحابة والتابعين، ولم تبق السُنَّةُ مُهْمَلَةً طلية القرن الأول إلى عهد عمر بن عبد العزيز، بل تم حفظها في الصدور جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع حفظها في الصحف والكراريس.
٥ - في مطلع القرن الهجري الثاني، تحول عمل العلماء من جمع الحديث وتقييده، إلى تصنيفه على الأبواب وضم هذه الأبواب إلى بعضها