الأولى إذا اعتبرنا التدوين الشخصي الخاص بكل عالم فإن كثيرين من الصحابة والتابعين سبقوا خالدًا في هذا المضمار، وحافظوا على ما كتبوه، فابن عمرو حفظ صحفه في صندوق له حلق، وغيره في كراريس ودفاتر، كهمام بن منبه وابن شهاب، فمجرد وجود علم خالد بن معدان في مصحف له أزرار لا يكفي لأن يكون أول من دَوَّنَ الحديث في عصره.
والناحية الثانية إذا اعتبرنا التدوين الرسمي للحديث استجابة لرغبة عمر بن عبد العزيز فقد سبق خالدًا إلى التدوين أبو بكر بن حزم وابن شهاب الزهري، وقد ثبت أن ابن شهاب كتب لعمر الحديث في دفاتر وزعت على كل أرض له عليها سلطان، فخالد لم يكن أول من صنف، سواء أكان هذا التصنيف خَاصًّا أَمْ رَسْمِيًّا. فهناك من سبقه في جمع الحديث، ويمكننا أن نعتبر صحف خالد من أولى الصحف التي ضمت علمه في ذلك القرن.
وإذا كان المشهور أن ابن شهاب الزهري أول من كتب الحديث، فإن هذا محمول على تنفيذه أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، لا لأن أمراء بني أمية أخذوا عنه، لأن أخذ الأمراء عنه لا يؤثر في الأدلة الأخرى التي تثبت استجابة لأمر الخليفة وتدوينه الحديث في دفاتر. وقد أسلفنا أنه كان قد كتب كثيرًا من حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في أثناء طلبه العلم. وهذا يدل على أسبقية ابن شهاب على غيره في التدوين ومع هذا فهناك من دَوَّنَ قبله - بشكل رسمي - وحفظ علمه في صحف واعتنى بصحفه وحرص عليها من الضياع. فقد ثبت لدينا مما سبق أن كثيرًا قبل ابن شهاب وقبل خالد بن معدان كتبوا الحديث وحفظوه في كل ما تيسر