للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَعْرَابِ رَأَوْهُ، فَأَمَّا مَنْ صَحِبَهُ فَلاَ ". رواه مسلم بحضرة أبي زرعة» (١).

قَالَ أَبُو بَكْرٍالبَاقِلاَّنِيُّ (٣٣٨ - ٤٠٣ هـ) بَعْدَ أَنْ عَرَّفَ الصَّحَابِيَّ لُغَةً: «وَكَذَلِكَ يُقَالُ: صَحِبْتُ فُلاَنًا حَوْلاً وَدَهْرًا وَسَنَةً وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَسَاعَةً , فَيُوقَعُ اسْمُ المُصَاحَبَةِ بِقَلِيلِ مَا يَقَعُ مِنْهَا وَكَثِيرِهِ , وَذَلِكَ يُوجِبُ فِي حُكْمِ اللُّغَةِ إِجْرَاءَ هَذَا عَلَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ , هَذَا هُوَ الأَصْلُ فِي اشْتِقَاقِ الاسْمِ , وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَرَّرَ لِلأُمَّةِ (٢) عُرْفٌ فِي أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ إِلاَّ فِيمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَاتَّصَلَ لِقَاؤُهُ , وَلاَ يُجْرُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَقِيَ المَرْءَ سَاعَةً , وَمَشَى مَعَهُ خُطًى , وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا , فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ لاَ يُجْرَى هَذَا الاسْمُ فِي عُرْفِ الاِسْتِعْمَالِ إِلاَّ عَلَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ» (٣).

ومع هذا فإن خبر الثقة الأمين عنه مقبول ومعمول به وإن لم تطل صحبته، ولا سمع منه إلا حديثًا واحدًا. فقول أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لا يخالف عرف الأمة، ومما لا شك فيه أن الصحابة على درجات بحسب تقدمهم وبلائهم في الإسلام.

وإلى رأي الجمهور أميل وبه أقول، لأنه في الحقيقة لَمْ يَرْوِ صحابي عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثًا إلا قد ثبتت عدالته عند جهابذة هذا العلم، بتطبيق قواعد النقد العلمي الصحيحة، التي طبقوها في علم الحديث على سائر الرواة، وسيتجلى لنا ما ذهبت إليه عندما نتكلم عن عدالة الصحابة.


(١) " الباعث الحثيث ": ص ٢٠٣، قال ابن الصلاح: «إسْنادُهُ جيِّدٌ، حدَّثَ بهِ مُسْلِمٌ بِحَضْرَةِ أَبِي زُرْعَةَ». وانظر " فتح المغيث ": ص ٣١ جـ ٤. وقال في كلام أبي زرعة الرازي وأبي داود ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية: «فَإِنَّهُمَا قَالاَ فِي طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. وَقَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: قَدْ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ ... »
وقال ابن كثير: «وَهَذَا إِنَّمَا نَفَى فِيه الصُّحْبَةَ الخَاصَّةَ، وَلاَ يَنْفِي مَا اِصْطَلَحَ عَلَيه الجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤًيَةِ كَافٍ فِي إِطْلاَقِ الصُّحْبَةِ». " الباعث الحثيث ": ص ٢٠٣، وانظر " الكفاية ": ص ٥٠.
(٢) في " الكفاية ": ص ٥١ «لِلأُمَّةِ» وفي " فتح المغيث ": «لِلأَئِمَّةِ».
(٣) " الكفاية ": ص ٥١. و" فتح المغيث ": ص ٣١ جـ ٤.