للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دعم الدين والدفاع عنه، ومناصرتهم للرسول والهجرة إليه، والجهاد بين يديه، وبذل المُهَجِ والأموال، والمحافظة على أمور الدين، والقيام بحدوده ومراسيمه، والتشدد في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، حتى إنهم قتلوا أقرب الناس إليهم، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم في سبيل الله، وإقامة دعائم الإسلام. كل ذلك دليل على قَوِيِّ إيمانهم، وحسن إسلامهم، وأمانتهم وإخلاصهم. لذلك وجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال، لأن ما وقع إنما كان نتيجة لما أدى إليه اجتهاد كل فريق «مِنِ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الوَاجِبَ مَا صَارَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلدِّينِ وَأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَعَلَى هَذَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا أَوْ أَنَّ المُصِيبَ وَاحِدٌ وَالآخَرُ مُخْطِئٌ فِي اجْتِهَادِهِ. وَعَلَى كِلاَ التَّقْدِيرَيْنِ، فَالشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ مِنَ الفَرِيقَيْنِ لاَ تَكُونُ مَرْدُودَةً أَمَّا بِتَقْدِيرِ الإِصَابَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِتَقْدِيرِ الخَطَأِ مَعَ الاجْتِهَادِ فَبِالإِجْمَاعِ» (١). أي أن جميع من اشترك في الفتنة من الصحابة عدول لأنهم اجتهدوا في ذلك.

ثم إن الكلمة اجتمعت بعد الفتنة في عام الجماعة، حين تنازل الحسن بن علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - للخليفة معاوية بن أبي سفيان. وقد ثبت في " صحيح البخاري " عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال عن سبطه الحسن بن علي وكان معه على المنبر: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ [عَظِيمَتَيْنِ] مِنَ المُسْلِمِينَ» (٢) فسمى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجميع (مسلمين)، وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (٣).


(١) " الإحكام في أصول الأحكام " للآمدي: ص ١٢٩، ١٣٠ جـ ٢.
(٢) " فتح الباري ": - باب مناقب الحسن والحسين: ص ٩٦ جـ ٨.
(٣) [سورة الحجرات، الآية: ٩].