وهذا لا يكفي لمعرفة علو الصحابي وروايته، لأن بعض الصحابة الذين عرفت ملازمتهم للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسبقهم للإسلام بالتواتر، كأبي بكر وعمر اللذين حَمَلاَ عِلْمًا كثيرًا عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، لم يظهر علمهم كله لنا وبخاصة أبو بكر، لأنه لم يعش كثيرًا بعد رسول الله ليحتاج إليه كما احتيج إلى غيره، فامتدار عُمْرِ الصَّحَابِيِّ إلى جانب الوجهين السابقين اللذين ذكرهما ابن حزم يكشف لنا عن علمه ومروياته، كما أن ظهور أمور جديدة في الحياة مع مر الزمن يكشف عن علم الصحابة، لأنه يحتاج إلى ما عندهم تجاه تلك الأمور المستجدة، وفي هذا يقول ابن حزم:«ثمَّ وجدنَا الأَمر كلمَا أَطَالَ كثرت الْحَاجة إِلَى الصَّحَابَة فِيمَا عِنْدهم من العلم فَوَجَدنَا حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - ألفي مُسْند ومائتي مُسْند وَعشرَة مسانيد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة ... »(١).
ونحن في بحثنا هذا يهمنا الصحابة الذين رَوَوْا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحملوا لنا الشريعة الحنيفية، ونقلوا إلى من بعدهم أفعال الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وتصرفاته دقيقها وعظيمها، في سفره وحضره، وظعنه وإقامته، وسائر أحواله من نوم ويقظة، وإشارة وتصريح وصمت ونطق إلى غير ذلك.
وقد ألف في الصحابة كتب كثيرة تناولت أحوالهم وعلمهم، وأوجز الآن في عدد من روى عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من الصحابة وعدد مروياتهم، فقد روى عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة من الصحابة، لكل منهم أكثر من ألف حديث، وأحد عشر صحابيًا، لكل واحد منهم أكثر من مائتي حديث، وواحد وعشرون صحابيًا، لكل واحد أكثر من مائة حديث، وأما أصحاب العشرات فكثيرون، يقربون من المائة، وأما من له عشرة أحاديث أو أقل
(١) " الفصل في الملل والأهواء والنحل ": ص ١٣٨ جـ ٤.