للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«آمِينَ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى، فَقَالَ: «سَبَقَكُمْ بِهَا الغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ» (١).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟» قُلْتُ: «أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ». فَنَزَعَ نَمِرَةً كَانَتْ عَلَى ظَهْرِي، فَبَسَطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى القَمْلِ يَدُبُّ عَلَيْهَا، فَحَدَّثَنِي حَتَّى [إِذَا] اسْتَوْعَبْتُ حَدِيثَهُ قَالَ: «اجْمَعْهَا فَصُرَّهَا إِلَيْكَ» فَأَصْبَحْتُ لاَ أُسْقِطُ حَرْفًا مِمَّا حَدَّثَنِي (٢).

هذه الأخبار - وغيرها كثير - تثبت حرص أبي هريرة الشديد على طلب العلم، ودعاء الرسول له بتحقيق ما أراد.

وقد عرف الصحابة منزلته بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان يحدث في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويفتي الناس بحضرة علماء الصحابة، وكباره وكان بعضهم كزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس يحيلون السائلين عليه، فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ [وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فَجَاءَهُمَا] مُحَمَّدُ بْنُ إيَاسِ بْنُ بُكَيْرِ، فَسَأَلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ ثَلاَثًا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَبَعَثَهُ إِلَى أََبِِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَكَانَا عِنْدَ عَائِشَةَ - فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، قَدْ جَاءَتْك مُعْضِلَةٌ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «الوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا» (٣). لعل أبا هريرة أفتى بهذا بعد أن


(١) " تهذيب التهذيب ": ص ٢٦٦، جـ ١٢ وفيه: «سَأَلاَكَ صَاحِبَيَّ» والتصحيح من " فتح الباري ": ص ٢٢٦، جـ ١. و" سير أعلام النبلاء ": ص ٤٣٢، جـ ٢.
(٢) " حلية الأولياء ": ص ٣٨١ جـ ١، و" تذكرة الحفاظ ": ص ٣٣ جـ ١، و" سير أعلام النبلاء ": ص ٤٢٩ جـ ٢. النمرة: شملة فيها خطوط بيض وسود. والحديث أخرجه البخاري. انظر " فتح الباري ": ص ٢٢٥ جـ ١.
(٣) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٢٧، جـ ٢٢.