للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. ويتجلَّى مع هذا حلمه تارة، وحبه لأُمَّته تارة أخرى وغضبه للحق حِينًا، ونهيه عن التعقيد أحيانًا. من ذلك ما رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قال: دَخَلَ أَعْرَابِىٌّ المَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا!!». ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِى الْمَسْجِدِ!! فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، أَهرِيقُوا عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سِجْلاً مِنْ مَاءٍ» (١).

وكان يدعو إلى التيسير دائمًا، فعن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا، وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ» (٢) وعن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، وخَيْرُ العِبَادَةِ الفِقْهُ» (٣) كما كان ينهى عن الأغلوطات


(١) القسم الثاني من الحديث أي بول الأعرابي في المسجد ذكره البخاري عن أنس وعن أبي هريرة، انظر " فتح الباري ": ص ٣٣٥ و ٣٣٦ جـ ١ وقصة الدعاء في موضع آخر. والحديث المذكور أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح في " مسنده "، انظر " المسند ": ص ٢٤٤ حديث ٧٢٥٤ جـ ١٢ وص ٢٠٩ حديث ٧٧٨٦ جـ ١٤، قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا»: أي ضيَّقْتَ ما وسعه الله، يقال: حجرت الأرض واحتجرتها إذا ضربت عليها مَنَارًا تمنعها به عن غيرك. ويرد الأستاذ أحمد شاكر على المستشرق بروكلمان لفهمه هذا الحديث فَهْمًا خَاطِئًا. راجع هامش ص ٢٤٥ جـ ١٢ منه.
(٢) " مسند الإمام أحمد ": ص ١٢ حديث ٢١٣٦ وص ١٩١ حديث ٢٥٥٦ جـ ٤ وص ١٥٠ حديث ٣٤٤٨ جـ ٥ و " مجمع الزوائد ": ص ١٣١ جـ ١، وراجع " فتح الباري ": ص ١٩٦ جـ ١. فيه غضبه مِمَّنْ يطول الصلاة وفي المصلين الضعيف وذو الحاجة، وطلب مِمَّنْ يصلي بالناس التخفيف لذلك.
(٣) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٢١ جـ ١ وقال: رواه البخاري في " الأدب المفرد ".