للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْكَ فِي مَجْلِسِكَ مِنَ الرِّجَالِ، فَوَاعِدْنَا مِنْكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ. قَالَ: «مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلاَنٍ». وَأَتَاهُنَّ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَلِذَلِكَ الْمَوْعِدِ، قَالَ (أبو هريرة): فَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنِ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ ثَلاَثًا مِنَ الوَلَدِ تَحْتَسِبُهُنَّ، إِلاَّ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَوِ اثْنَتَانِ؟ قَالَ: «أَوِ اثْنَتَانِ» (١).

وكانت النساء يسألن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيُجيبُهُنَّ عن أمور دِينِهِنَّ ولم يكن ذلك صدفة أو نَادِرًا، بل خَصَّصَ لَهُنَّ أوقاتًا خاصة يجلسن فيها إليه، وَيَتَلقَّيْنَ عنه تعاليم الإسلام، وَيُفْتِيهِنَّ، قالت عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ» (٢).

وها هي ذي أُمُّ سُلَيْمٍ - وهي بنت ملحان والدة أنس بن مالك - تأتي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأم سلمة حاضرة - فتقول: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ " فقال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ»، فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ - تَعْنِي وَجْهَهَا - وَقَالَتْ: يَا رَسولَ اللهِ، أَوَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟» (٣).

وبهذه الروح الطيبة، والنفس السامية، والصدر الرحب، والمنهج التربوي الصحيح كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُ أصحابه والمسلمين عامة أحكام الإسلام وتعاليمه وآدابه، ولم يكن بين الرسول الكريم والمسلمين حاجب


(١) " مسند الإمام أحمد ": ص ٨٥ حديث ٧٣٥١ جـ ١٣ و " فتح الباري ": ص ٢٠٦ جـ ١، تحتسبهنَّ: أي تحتسب أجرها على الله في الصبر على المصيبة.
(٢) " فتح الباري ": ص ٢٣٩ جـ ١.
(٣) " فتح الباري ": ص ٢٣٩ جـ ١ عن هشام بن عروة عن زينب، ابنة سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم (أو نحتلم) من غير همزة في الأصل وفي رواية الكشميهني (أو تحتلم).