للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[هـ]

النيل منه بتوهين السُنَّة التي هي عماد بيانه، فسلكوا لذلك طرقاً، وتكلفوا شططاً، فمنهم من تجنَّى على الرُواة وطعن في عدالتهم وصدقهم، ومنهم من طعن في متن الحديث فأنكر منه ما لم يوافق هوه، ومنهم من ادعى انقطاع الصلة بين الرسول وما يُروى عنه وتعذَّر تمييز الصحيح منه من السقيم، لإهمال تدوينه نحو قرنين من الزمان، وانتشار وضع الحديث انتصاراً لرأي أو إبطالاً لمذهب، فدعا إلى إهمال الحديث جملة والاكتفاء بالقرآن الكريم، ومن المؤسف حقاً أنْ يقول بهذا الرأي من يزعم أنه من المسلمين.

ولكن العلي القدير الذي تكفَّلَ بحفظ كتابه وأصول دينه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١) كان يمنح معونته وتوفيقه دائماً للمتقين المخلصين، ويخذل أعداءه المعاندين: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (٢)، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (٣)، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (٤).

فلهذا هيأ لدينه في كل العصور من يَرُدُّ كيد الطاعنين في نحورهم، وهيَّأ لسُنَّة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان مَنْ عُنِيَ بالدفاع عنها بعد البحث في سندها ومتنها، يتعرف أحوال رُواتها، وتمييز صحيحها من سقيمها، ثم حفظها تارة في الصدور، وأخرى في السطور.

لقد كان المسلمون بين أنْ يدفعهم الحرص على سُنَّة نبيِّّهم إلى تَقَبُّل كل


(١) [سورة الحجر، الآية: ٩].
(٢) [سورة الأنعام، الآية: ١٠].
(٣) [سورة الحج، الآية: ٥٢].
(٤) [الصافات: ١٧١ - ١٧٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>