وبالإثم، أي على الإثم، لذلك لا يقبل كلمة: اتق الله، التي هي ملاك الأمر كله والتي قال عمر رضي الله عنه لمن قالها له: لا خير فينا إذا لم نقبلها، ولا خير فيكم إذا لم تقولوها، والآية نزلت في الأخنس بن شريق، إذ كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا المظهر الخداع ولهذا المنطق الخلاب فيأخذه الرسول على ظاهره- كعادته- فيكرمه ويجلسه بجانبه ولكنه إدا عاد من عنده أتي كل شر وفعل كل منكر، وفي إحدى الليالي بيت المسلمين فاحرق زروعهم وأهلك مواشيهم، وهما المراد بالحرث والنسل في الآية.
(٣)
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. هذا نموذج آخر يعرض في هذا الأسلوب الساخر، وأي موقف أدعى للسخرية كموقف عبد ضعيف ذليل من ربه يجادل بغير حق، ويحاجه بغير منطق ولا معرفة وفي غير حياء ولا خجل، ثم يظهر بين الناس شامخ الأنف، ثاني العطف ليستر ضعفه ويخفي جهله فيركب متن الغواية ويصد عن سبيل الهداية، فما جزاء هذا المتكبر على الله المتجبر على الناس إلا أن يذله الله ويرغم أنفه فيديقه الخزي في الدنيا وعذاب الحريق في الآخرة، ولا عجب فالآية في أبي جهل.
وهذا نوع من الناس يدخلون المنفعة الشخصية والربح المادي في كل شيء حتى في دين الله، فيتخده متجرا وموردا للمتاع العاجل ولذلك {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} وقد نزلت هذه الآية في يهودي أسلم فأصابته مصائب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الإسلام لا يقال.